لنتنظم ونُضرِب — ضد حرب الإبادة، ضد آفة الجريمة، ومن أجل إعادة الإعمار والعيش الكريم
كفى للجرائم ضد النساء: لا لاستئناف الحرب! لا للاحتلال، التهجير والجريمة!
الرئيسية
من نحن
متطلباتنا
مؤتمر الاشتراكية
للاتصال بنا / للانضمام
للتبرع تضامنا معنا
دفع رسوم العضوية
الحركة العالمية
أرشيف المقالات
للاتصال بنا
شكراً جزيلاً!
لقد تم إرسال الرسالة، رائع، سنحاول التواصل معك في أقرب وقت ممكن.
تحليل اشتراكي
حكومة الدماء الرأسمالية التي يترأسها نتنياهو هي القوة الأكثر خطرًا في المنطقة
وثيقة رؤى نوقشت واعتُمدت في اللجنة القطريّة لحركة نضال اشتراكي على خلفية خطر الحرب الإقليمية واستمرار حمّام الدم في غزة.
443

443

في هذه اللحظات التي تمر فيها المنطقة بمنعطف انفجاري بشكل خاص، ورغم الطموحات الجماهيرية في كافّة أنحاء المنطقة والعالم لإبرام اتفاقية وقف إطلاق النار، تواصل حكومة الدماء الرأسمالية التي يترأسها نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتطرف إلحاق الكوارث الدموية على سكان قطاع غزة. كما تواصل هذه الحكومة، بوعيٍ منها، إلحاق الضرر بالمختطفين، وذلك خلال تعزيز وجود قوات الاحتلال في القطاع على المدى الطويل وجرّ المنطقة نحو حافة حرب إقليمية.

في ظل التوتر العسكري السائد في المنطقة وحمّام الدّم التاريخي في غزة، تمت مناقشة وثيقة رؤى واعتمادها في تاريخ 9 اب من قبل اللجنة القطريّة لحركة نضال اشتراكي. الوثيقة، التي نوقشت أيضًا في فروع الحركة وتُنشر هنا بعد تعديلات تحريرية طفيفة، هي ثمرة عمل وعملية نقاش جماعية، كإسهام لمواصلة النقاش حول الأطروحات الرئيسية والعمليات التي تستعرضها. ندعو العاملات والعمال، والطلبة والفتيان من كافّة الأطياف، المشاركين بطرق مختلفة في النضال من أجل وقف الحرب والفظائع التي تخدم نظام الاحتلال الرأسمالي الإسرائيلي ومصالح القوى الإمبريالية العالمية، إلى مراجعة هذا التحليل وتطوير نقاش معنا حول سبل التقدّم في النضال وأهمية تعزيز بديل سياسي للتغيير الاشتراكي.

منذ 7 أكتوبر، والشرق الأوسط يقف على شفا نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق. في أثناء كتابة هذه السطور (في بداية شهر آب)، بلغت التوترات ذروتها مع توقع رد عسكري من قبل النظام الإيراني وحزب الله، سواء بشكل مشترك أو كلّ منهما على حدة، ضد إسرائيل. في الوقت نفسه، أرسلت إدارة الولايات المتحدة حاملة طائرات و12 سفينة حربية إلى المنطقة، وخلف الكواليس، تتزامن الضغوط الدبلوماسية من الغرب والشرق على طهران لضبط النفس مع التفاف تحالفات إقليمية متعارضة، في خضم مرحلة تحول حاسمة في الكارثة التاريخية.

عدد الضحايا الفلسطينيين الكبير في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر آخذٌ في الاطراد، ولا تبدو نهاية هذه الفظائع المروعة وشيكة الحدوث. في الوقت نفسه، تُظهر حكومة نتنياهو الدموية الرأسمالية واليمين الإسرائيلي المتطرف، بدعم من المعسكر الإمبريالي الغربي بقيادة الإدارة "الديمقراطية" في الولايات المتحدة، دورها كقوة عدوانية، حيث أن عملياتها منذ 7 أكتوبر هي الأكثر فتكًا وخطورة على المستوى الإقليمي.

منذ اللحظة الأولى، وقفت حركة نضال اشتراكي إلى جانب النضال العابر للحدود، بما في ذلك سلسلة من المظاهرات التي جرت تحت الملاحقة السياسية، لوقف حمام الدم التاريخي في قطاع غزة، والدعم المادي والسياسي الذي يتلقاه من حكومات من كافة أنحاء العالم. كما دعت إلى صفقة "الكل مقابل الكل"، لكبح خطر الحرب الإقليمية، وإسقاط حكومة نتنياهو الدموية الرأسمالية.

المعطى الرسمي لعدد الضحايا من كافة الأعمار في قطاع غزة والمقدّر وفق الاحصائيّات الرسميّة ب 40٬000 ضحية، وهو معطى تقديريّ محافظ، قد تجاوز منذ فترة طويلة حصيلة الضحايا الرسمية من اليهود في تاريخ الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني والإسرائيلي–العربي عموما منذ عام 1948، وكذلك في مجمل الصراع الصهيوني–العربي. هذا الرقم وحده كاف لإظهار كيف أن الحرب التي يشنها حكم اليمين الإسرائيلي رسميًا ضد حركة حماس هي في الواقع حرب شاملة ضد السكان الفلسطينيين المحاصرين في قلب نار الجحيم الوحشيّة التي تُسلّط عليهم على مدار الساعة منذ عشرة أشهر، بأمر من وزراء وجنرالات إسرائيليين بحرًا وجوًا وأرضًا، إلى جانب تجويعهم وتعطيشهم والتعتيم عليهم وتدمير البنية التحتية الأساسية للحياة بشكل منهجي. الارتفاع في معدلات المرض، بما في ذلك تفشي مرض شلل الأطفال، يؤكد أن العدد الإجمالي للضحايا سيتجاوز بكثير التقديرات الحالية — وفقًا لتقدير نشرته مجلة Lancet الطبية في بداية تموز، قد يصل إلى حجم مرعب يقدر بـ200٬000 من السكان، أي حوالي 7٪–9٪ من السكان نتيجة لحرب الإبادة الجماعية الدائرة.

تتعامل وسائل الإعلام الإسرائيلية الرسمية مع القتل المروع للأطفال والفتيان الدروز في مجدل شمس بالجولان المحتل بصفقتها "مجزرة" فقط لأن رأس الصاروخ الحربي كان، وفقًا للنتائج حتى الآن، إيراني الصّنع، في حين تُبرّر يوميًا القتل المستمر للفتيات والأطفال الفلسطينيين. المجزرة الجماعية التاريخية في حقّ الفلسطينيين، والتدمير، والتجويع، والتعذيب، والانتهاكات تحدث تحت غطاء من الدعاية "الأمنية"، كمدماك رئيسي في الدعاية الحربية للطبقة الحاكمة الإسرائيلية على المستويين الدولي والمحلي. تستند هذه الدعاية على استغلال فظيع للهجوم المفاجئ الذي قادته حماس وأفعال القتل والخطف الرجعيّة والانتهاكات واسعة النطاق ضدّ الناس العاديين وخاصة ضد السكان اليهود في 7 أكتوبر. ولكن في الوقت نفسه، تتكشف أيضًا لا مبالاة حكومة نتنياهو واليمين المتطرف بمصير المختطفين والمختطفات، حيث قُتل الكثير منهم مباشرة نتيجة الهجوم العسكري المتواصل.

لا يكمن جوهر الأزمة الدموية الكبرى، التي يتركز ثقلها على الهجوم الوحشيّ ضد سكان غزة، في أحداث 7 أكتوبر ولا في نتنياهو وحكومته فحسب، بل يكمن أولاً وقبل كل شيء في نظام القمع القومي، والحصار على غزة، والاحتلال الديكتاتوري والاستعمار الاستيطاني الذي يفرضه النظام الرأسمالي الإسرائيلي على ملايين الفلسطينيين، وذلك تحت مظلة الإمبريالية الغربية في إطار شبكة المصالح الإقليمية والعالمية التي تسعى الأخيرة لتعزيز قوتها من خلالها. في الحملة العسكرية الحالية التي تقودها الطبقة الحاكمة الإسرائيلية، في سعيها لدفع كل تحدٍ عن مصالحها في المنطقة، تسعى تحديدًا إلى إعادة فرض قوتها بقدر أكبر. ثانياً، يؤثر النزاع الإمبريالي العالمي بين الولايات المتحدة والصين بشكل عميق على تطور الأزمة الدموية التي أصبحت عاملاً مؤثراً بحد ذاته. يصمّم النزاع الإمبريالي العالمي بشكل جوهري النزاع في غزة (الذي يتجلى حالياً بشكل قاطع في المجازر)، والذي يقوم أساساً بين قوة محتلة وشعب مستعبد يسعى من أجل نيل الحرية. في الوقت نفسه، فإنّه يصمّم النزاع في المنطقة بين المعسكر "المناهض لإيران" بدعم من واشنطن—بما في ذلك عملية "التطبيع" العربي-الإسرائيلي التي سعت قيادة حماس إلى تعطيلها—وبين التحالف الإقليمي لمحور "المقاومة" بقيادة إيران، بدعم من موسكو وبكين.

أزمة غزة، التي تقف في مركز دوامة النزاع الإقليمي، هي حدث عالمي محوري أحدث زلزالًا في العلاقات الدولية وفي الوعي الجماهيري. تتماشى الأزمة كعامل يعمق الانقسام في الصراع الإمبريالي العالمي بين الولايات المتحدة والصين. لم يرغب أي من الطرفين في الحرب ولا في توسيع حالة الفوضى في المنطقة، لكن لكل طرف مصلحة واضحة في إضعاف المعسكر المنافس. بكين وموسكو قدمتا دعمهما لقيادة حماس وأعربتا علنًا عن تأييدهما للهجوم الإيراني المضاد في نيسان، الذي أشار إلى تصعيد في الصراع الإسرائيلي-الإيراني، وكلتاهما تعملان على تعزيز القدرات العسكرية لطهران وحلفائها. حتى في نقطة التحول الراهنة، عندما وصل قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي، الجنرال مايكل كوريلا، إلى إسرائيل في 5 آب للاجتماع مع غالانت، وصل رئيس مجلس الأمن القومي الروسي سيرجي شويغو (الذي شغل سابقًا منصب وزير الدفاع لدى بوتين) إلى إيران للاجتماع مع الرئيس مسعود بزشكيان ومع رئيس الأركان الإيراني محمد باقري. يتماشى عقد الاجتماع العلني لممثلي الفصائل الفلسطينية في بكين في تموز مع حملة بكين التي تستهدف الجماهير والأنظمة في المنطقة و"الجنوب العالمي" النيو-استعماري، لبناء صورة كقوة تتحدى العدوان العسكري "الغربي" وفي غزة بشكل خاص، وكوسيط ومثبت للاستقرار في مواجهة الدعم العسكري من واشنطن لماكينة الحرب الإسرائيلية. في المقابل، يسعى التدخل العسكري للإمبريالية الأمريكية في المنطقة إلى الحفاظ على هيمنة متزعزعة، بما في ذلك شحنات الأسلحة، وقيادة هجمات مباشرة على قوى مرتبطة بطهران، وقيادة تحالف لاعتراض هجمات من معسكر طهران و"إظهار القوة" عبر تحريك حاملات الطائرات—تدخُّل يلعب دورًا رئيسيًا في توسيع مجال العملية العسكريّة للرأسمالية الإسرائيلية.

أثارت الأزمة الدموية حركة احتجاج دولية هي الأكثر تطوراً وتوسّعًا منذ سنوات، بما في ذلك خطوات أولية بين صفوف الطبقة العاملة المنظمة. ورغم أن هذه الحركة لم تصل إلى أبعاد كافية لوقف آلة الاحتلال والحرب، إلا أنها تمثل عاملاً مهماً في الديناميكية التي تدفع عدداً من الحكومات الرأسمالية، بما في ذلك حكومات في "الغرب"، لاتخاذ خطوات لكبح جماح القمع المتطرّف للفلسطينيين، وحتى تحديه بشكل ناعم على الصعيدين القانوني والدبلوماسي. يُعد هذا دليل على قوة التحوّل المعقِّد الذي أحدثته الأزمة الدموية في غزة بالنسبة لمعسكر الإمبريالية الغربية، حيث تُدفع الحكومات الرأسمالية في "الغرب" إلى النأي بنفسها سياسياً عن الفظائع التي يرتكبها النظام الرأسمالي الإسرائيلي في غزة، بدعم حاسم من أنظمة الأسلحة الأمريكية والأوروبية. ومع ذلك، لا يعني هذا زعزعة جوهرية للعلاقات الدولية بين النظام الرأسمالي الإسرائيلي وواشنطن والقوى العظمى الغربية، إذ لا تزال هذه القوى تعتمد عليها كنقطة ارتكاز ثابتة في الشرق الأوسط لحماية مصالحها في سياق توازن القوى الإقليمي والعالمي.

الدعم الأساسي من كتلة الإمبريالية الغربية للرأسمالية الإسرائيلية يُبرز على السطح تناقضًا جوهريًا في المصالح بين الطبقات الحاكمة والجماهير حول العالم، الذين يتطلعون إلى إنهاء الفظائع الحاصلة في غزة والقمع ضد الفلسطينيين. ملاحقة وسحق المظاهرات التي تناشد بوقف الهجمة على غزة في عدة دول في "الغرب" منذ السابع من أكتوبر، وكذلك في دول المنطقة، خاصة تحت حكم الملكية الأردنية ونظام السيسي، وكذلك من قبل السلطة الفلسطينية التي يترأسها عباس، كشفت هذا التناقض بشكل واضح. وبرز ذلك بشكل خاص من خلال نزع الشرعية، الملاحقة السياسية والقمع الشرطي العنيف في كثير من الأحيان لموجة تمرد الطلاب والطالبات في الجامعات، الذي بلغ ذروته في نيسان-أيار. بدأ التمرد بين الشبان والشابات، تحديدًا داخل أحشاء أعتى قوة إمبريالية مدمرة على المستوى العالمي، متحديًا إدارة بايدن، وألهم التحرك في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك بين الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر. خفت التمرد تحت وطأة الهجوم الشرطي ومع نهاية الفصل الدراسي، ولكن الغضب الشعبي سيواصل البحث عن منافذ للانفجار.

تواصل حكومة نتنياهو الرأسمالية الدموية واليمين المتطرف مواجهة أزمة شرعية حادة، بما في ذلك حركة شبه جماهيرية تتركز حول مطالبتهم ب"صفقة الآن" و"انتخابات الآن"، إلى جانب دعوات الجناح المناضل لعائلات المختطفين إلى الاتحاد العام لقيادة إضراب عام في الاقتصاد الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن الدعوة لـ"صفقة الآن" ليست متصلة بشكل قاطع ومنهجي بمعارضة الحرب، إلا أنها تتحدى حكم اليمين الإسرائيلي بصفقة يُفترض أنها تشمل فعليًا إنهاء الهجوم العسكري على غزة، وتتزايد الأصوات المطالبة بوقف الحرب.

بالتوازي مع ذلك، تبرز الاحتجاجات والإضرابات الفلسطينية المتكررة تحت الاحتلال العسكري في الضفة الغربية، وفي مواجهة هجماته الوحشية اليومية على السكان ودفعه المتوحش لتوسيع مشروع الاستيطان تحت غطاء الحرب، كيف أن القتل والاعتقالات وأبعاد القمع والفظائع لم تنجح في كسر روح النضال والطموحات لنيل الحرية والعيش بكرامة، والتي تتغلب في كثير من الأحيان على حاجز الخوف. داخل الخط الأخضر، وبالرغم من الاضطهاد والقمع، إلى جانب المظاهرات المركزية التي نظمتها لجنة المتابعة في الأشهر الأخيرة، تطور اتجاه هام للمبادرة والتنظيم لدى شريحة من الشباب الفلسطيني في الجامعات وخارجها.

مظاهرة في تل أبيب، 4.5 (تصوير: نضال اشتراكي)

التهديد بإشعال المنطقة لخدمة الرأسمالية الإسرائيلية والاحتلال

الاغتيال الذي وقع في 31 تموز لرئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، أثناء تواجده في طهران في مجمع تابع لـ"الحرس الثوري" للنظام الايراني، بمناسبة تنصيب الرئيس الإيراني مسعود فزشكيان من الجناح "الإصلاحي"، جاء مباشرة بعد اغتيال القائد العسكري البارز في حزب الله، فؤاد شكر، في ضاحية بيروت الجنوبية. كان هناك طفلان، أخت وأخ، بين خمسة مدنيين قُتلوا في القصف الذي وقع في الضاحية الجنوبية وأدى إلى إصابة العشرات. هذه الاستفزازات الدراماتيكية المحسوبة دفعت المنطقة، كما قيل، إلى أقرب نقطة حتى الآن إلى سيناريو حرب إقليمية بحدّة كبيرة. سبق ذلك اغتيال قائد الجناح العسكري لحماس، محمد الضيف، في 13 تموز (والتي نفت حماس أنه قُتل) في محيط "المنطقة الآمنة" المزعومة في المواصي، خان يونس، مما أسفر عن مقتل 90 فلسطينيًا وإصابة المئات. كما شهد أحد الناجين من سكان الخيام في المكان: "أصابت الضربات مجمعين، في كل منهما على الأقل مائة خيمة. في كل خيمة كانت تعيش عائلة مكوّنة من سبعة أو ثمانية أفراد. قال إنه رأى أطفالاً قد قُطعت رؤوسهم وأشخاصاً مقسومين إلى نصفين، وعندما جاءت فرق الإنقاذ — أصيب أفرادها أيضًا بالصواريخ" (هآرتس، 16 تموز).

الغرض من الاغتيالات الاستعراضيّة هو تكتيكي ودعائي، في محاولة لإظهار التفوق الاستخباراتي والعسكري، مع المراهنة المتغطرسة على إمكانية الانزلاق إلى حدث استراتيجي من التصعيد العسكري الواسع النطاق، والذي ستدفع ثمنه الباهظ الجموع المتواجدة في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم الهجمات لتحويل التركيز نحو إيران وإثارة الدعم مجددًا لاستمرار الحملة العسكرية. حزب غانتس وشريكه السابق ساعر، اللذين كانا حتى وقت قريب جزءًا من حكومة الدماء الرأسمالية، لجآ إلى تحدي حكومة اليمين مع التنافس في قرع طبول الحرب.

التحرك المشترك حدث بعد أيام قليلة من زيارة بنيامين نتنياهو الدولية الرسمية الأولى منذ 7.10، حيث استُقبل بتصفيق حار في الكونغرس الأمريكي، خلال عرض منظم بعناية. كل ذلك مقابل آلاف المتظاهرين الذين تجمعوا أمام مبنى الكابيتول، والذين سخر منهم، وبشكل خاص من مجتمع المثليين بينهم. انسحاب جو بايدن من السباق الرئاسي الأمريكي أضرّ بفرص دونالد ترامب، الذي كان قد اكتسب زخمًا بعد محاولة اغتياله. ومع ذلك، فإن حقيقة بقاء بايدن في منصبه ولكن مع تأثير أقل، والسيناريو المحتمل لفوز ترامب مرة أخرى في السباق القريب الآن إلى نوفمبر، يعززان عزيمة حكومة نتنياهو واليمين المتطرف.

هذا، على الرغم من أن التطورات في "سنة الانتخابات" العالمية توضح أن العمليات التي تولّد الأزمة في النظام الرأسمالي — والتي أشعلت في الأسابيع الأخيرة نضالاً جماهيرياً في كينيا، ومظاهرات ضخمة ضد غلاء المعيشة في نيجيريا، وانتفاضة جماهيرية في بنغلاديش أدت إلى استقالة رئيسة الوزراء — لا تؤدي فقط إلى وصول قوى الشعبوية اليمينية واليمين المتطرف الخطر، الداعمة لنتنياهو، إلى السلطة، بل تغذي أيضاً الغضب على الحكومات والانقسام السياسي، بما في ذلك الراديكالية نحو اليسار.

"صديق" نتنياهو، مودي، فقد الأغلبية في البرلمان الهندي، وفي الوقت نفسه، الهزيمة التي لحقت بحزب المحافظين في بريطانيا، والهزيمة التي مُني بها اليمين المحافظ في فرنسا بقيادة ماكرون مع فوز انتخابي لـ"الجبهة الشعبية الجديدة" (NFP) في مواجهة اليمين المتطرف، تعكس اضطرابات اجتماعية وتشير إلى حكومة نتنياهو بأن القوى الكبرى في الكتلة الإمبريالية الغربية قد تتبنى سياسة رسمية أقل تسامحاً. في الولايات المتحدة، بينما ستواصل إدارة تترأسها هاريس الدعم الأساسي للرأسمالية الإسرائيلية، الا انها ستكون تحت ضغط متزايد لتهدئة الغضب الشعبي جراء الفظائع التي تحدث في غزة، في حين إدارة يترأسها ترامب، رغم أنها لن "ترقص على أنغام" نتنياهو واليمين المتطرف الإسرائيلي، ومن المرجح أن تكون متقلبة وتحت ضغط لتجنب التدخلات العسكرية الواسعة، لكنها ستواصل تقديم دعم صريح، فظ، ومباشر للاحتلال وقمع الجموع الفلسطينية — على الرغم من أن ذلك سيزيد من تأجيج الغضب الجماهيري على المستوى العالمي ضد الإمبريالية الأمريكية، ويشعل حركات مضادة أكثر جرأة في أوساط طبقة العمال والفئات الشبابية.

انتقد بايدن علناً اغتيال هنية، قائلاً إنه "لم يساعد" في تعزيز اتفاق لوقف إطلاق النار. وفقاً لـ'نيويورك تايمز' و'واشنطن بوست'، فإن الحكومة الإسرائيلية أطلعت البيت الأبيض على الاغتيال في طهران فقط بعد وقوعه، ولم تتحمل المسؤولية رسمياً عنه حتى الآن، مما أثار غضباً — حيث فوجئت قيادة البنتاغون بشكل خاص بتنفيذ القرار في قلب طهران، ودفع النظام الإيراني للرد. كان قد نُشر في البداية أن خامينئي أمر بتنفيذ ضربة مباشرة ضد دولة إسرائيل. ومع ذلك، لا يوجد لدى النظام الإيراني وحزب الله مصلحة حالياً في حرب شاملة بسبب احتمالات الدمار الواسع وفقدان السيطرة — فهم ليسوا في موقع يمكّنهم من تحقيق هزيمة عسكرية، وعواقب صدام شامل قد يشمل في النهاية أيضاً تصاعد التحدي السياسي ضدهم في الداخل (كما تم التلميح في انتفاضات الجماهير في السنوات الأخيرة في إيران ولبنان).

منذ 7 أكتوبر، تعمل الطبقة الحاكمة الإسرائيلية على استغلال "نافذة الفرص" بهدف تثبيت نظام الاحتلال وحكم رأس المال من خلال محاولة فرض تغييرات جوهرية في الوضع الراهن باستخدام القوة العسكرية. يشمل ذلك تغييرات في شكل الاحتلال في قطاع غزة، مع تدميره، استخدام إرهاب الدولة لخلق وعي جديد، تقليص القوة العسكرية لحماس، واستكشاف مضلل لإمكانية فرض بنية إدارة مدنية بديلة يمكن أن تكون مقاولًا موثوقًا للاحتلال الإسرائيلي. أصوات في المؤسسة الإسرائيلية، حتى من خارج حكومة نتنياهو، أوضحت مرارًا وتكرارًا تطلعها إلى إبقاء قوات الاحتلال المباشر في أجزاء من قطاع غزة، ومواصلة الهجوم المنظم على القطاع لسنوات قادمة.

الآن، اغتيال هنية لا يجعل قيادة حماس أكثر يأسًا. قيادة حماس ليست محطمة، فهي تعتمد على قاعدة واسعة من الدعم الاجتماعي — الذي ينجم أيضًا عن صورتها كقوة حماية ضد العدوان الوحشي للاحتلال — وتحصل على دعم سياسي واقتصادي وعسكري من طهران، بل وتتمتع أيضًا برعاية خفية من موسكو وبكين. علاوة على ذلك، أدى العدوان العسكري الوحشي للاحتلال في الأشهر الأخيرة، في ظل ضعف قوات اليسار في المنطقة، كما هو متوقع إلى تعزيز نسبي في دعم الجمهور لحماس. على الرغم من أن قوات عز الدين القسام عسكريًا كانت في البداية في وضع غير متكافئ أمام قوات الاحتلال وضعفت تنظيمًا، فإن الواقع هو أنه على مدى قرابة عام كامل، لم تنجح القوة العسكرية العظمى في المنطقة، بدعم من القوة العسكرية الأعظم في العالم، في القضاء عليهم وعلى بقية القوات المسلحة المشاركة في القتال ضد الغزو في الأراضي الصغيرة المحاصرة والجائعة والمدمرة. في عدة حالات، تم الإبلاغ عن إعادة تجميع للقوات المسلحة في مواقع مختلفة كانت قد تعرضت بالفعل لعمليات قصف مكثفة من قبل قوات الاحتلال، بما في ذلك في شمال القطاع. أشارت تقديرات الاستخبارات الأمريكية في بداية أيار إلى إن 65٪ من أنفاق حماس لا تزال قابلة للاستخدام. وبداية تموز، من بين 24 كتيبة لحماس في القطاع، فقط ثلاث منها فقدت قدرتها القتالية (وفقًا لدراسة من CTP و ISW). مع ذلك، تستثمر القوة المحتلة في تشييد بنية تحتية للسيطرة المباشرة طويلة الأمد على "حاجز نتساريم" وعلى أجزاء من القطاع.

لا يزال غير واضح (في بداية آب) ماذا سيكون نوع رد فعل طهران بعد اغتيال هنية، ولكن على الرغم من أنه لا يمكن استبعاد "تبادل الضربات" الذي قد يتجسد في "الاحتواء" ومواصلة التفاوض على صفقة محتملة، فإنه من المفاجئ أن تتراجع قيادة حماس في هذه النقطة تحديدًا عن شروطها الرئيسية. وذلك بشكل خاص، بالنظر إلى الضغوط الدولية المتزايدة ضد الحملة العسكرية الإسرائيلية.

حقيقة أن اغتيال نائب هنيّة، صالح العاروري، الذي وقع في كانون الثاني في بيروت، لم يؤد إلى استسلام حماس، وأن عمليات الاغتيال المتعجرفة لقادة حماس وحزب الله على مدى العقود الأخيرة لم تضعف هذه الحركات، التي تعززت قوتها العسكرية النسبية، لا تمنع حكومة اليمين الإسرائيلية من تكرار نفس السياسة، حيث إنها لا تزال تتعهد بالاغتيال حتى في حالة سنوار — الذي تم انتخابه الآن ليحل محل هنية بترأس المكتب السياسي لحماس. يهدف استعراض العضلات في سياسة الاغتيالات إلى إظهار القوة، لكنه يكشف في الوقت نفسه عن ضعف عميق من خلال التصرفات "المغامرة" اليائسة في ظل عمق الأزمة الاستراتيجية التي تواجهها الرأسمالية الإسرائيلية. إنها خطوة تصعيدية جديدة في الديناميكية المتصاعدة للصراع الإقليمي الذي يتجه نحو تفجر واسع النطاق، على الرغم من التفاهمات غير الرسمية التي تسعى لتحديد مدى استخدام القوة. لكل حرب منطقها الداخلي، وفي ديناميكية الصراع، حيث لا يوجد لأي طرف مصلحة في "الانكماش"، تمتد معادلات الرد إلى مناطق جديدة.

أعلن النظام الإيراني عن نيته فرض "ثمن باهظ"، في حين أن حكومة اليمين الإسرائيلي، التي على الأقل تماطل في فكرة "الهجوم الاستباقي"، تستمر في تصعيد التهديدات بالهجوم الإسرائيلي الشامل على لبنان، بما في ذلك إعادة احتلال أراض في جنوب لبنان، وخصوصًا من خلال الاستغلال الساخر للحادث الدموي الذي قُتل فيه أطفال من السكان الدروز في مجدل شمس، والذين يعانون من التميّز. من الجدير بالذكر أن وزراء الليكود وسموتريتش الذين حضروا إلى المكان ليرقصوا على الدم أثاروا أيضًا هتافات غاضبة، بما في ذلك بسبب سياسة تدمير المنازل.

انضم التهديد بالرد من طهران إلى تهديدات منظمة أنصار الله (الحوثيين) بعد القصف التدميري غير المسبوق في الحديدة في 20 تموز، عقب انفجار مسيرة تمّ إطلاقها على تل أبيب. قرار القيادة الإسرائيلية بقصف "أهداف قوة" في اليمن بعد شهور من الاستعداد يتماشى مع منطق دب "الصدمات والخوف"، الإرهاب الدولي، كما يتضح من تصريحات غالانت: "النار التي تشتعل الآن في اليمن يمكن رؤيتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط". يأتي هذا كجزء من محاولة لردع القوى المعادية من المبادرة العسكرية والدفع نحو تشكيل — بوسائل عسكرية، بدعم عميق من الإمبريالية الغربية — نظام إقليمي "في اليوم التالي" وفقًا لمصالح الرأسمالية الإسرائيلية. أسفر القصف الإسرائيلي عن مقتل عمال الميناء، وتسبب في كارثة بيئية وأثر على شريان اقتصادي رئيسي كعقوبة جماعية للجموع في اليمن.

التدخل العسكري المستمر من قبل الإمبريالية الأمريكية والبريطانية في محاولة فاشلة لوقف الاضطرابات في التجارة العالمية بسبب أنشطة الحوثيين في البحر الأحمر — والتي تعتبر أكثر إزعاجًا لهم من حياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين — لم يشمل أهداف قصف استراتيجية مثل ميناء الحديدة، على ما يبدو خشية من عواقب قد تزعزع الاستقرار. يُعتبر ميناء الحديدة ميناء استيراد رئيسيا، وهو شريان حيوي ليس فقط لشحن الأسلحة، بل أيضًا لإمدادات الوقود والطعام والأدوية الضرورية للسكان الذين دفعتهم حروب النخب الحاكمة في المنطقة إلى خطر مجاعة متواصل. بعد الهجوم الاستعراضي، شدد الحوثيون على أنهم لا ينوون التراجع عن النشاط العسكري بسبب العدوان العسكري الإسرائيلي، واستمروا في مهاجمة السفن في البحر الأحمر.

لم يكن الهجوم الإسرائيلي على اليمن نزوة من نتنياهو. لقد توحدت الطبقة الحاكمة الإسرائيلية بالكامل حول هذا الحدث، واحتج وزراء اليمين المتطرف على تهميشهم مجددًا في اتخاذ القرارات (ومع ذلك، فهم بالفعل يشكلون عامل تأثير في دفع نتنياهو والحكومة نحو مزيد من العدوانية). إطلاق الطائرة المسيرة يومًا قبله من قبل منظمة أنصار الله الرجعية، التي قتلت أحد السكان بالقرب من فرع سفارة الولايات المتحدة في وسط تل أبيب، قدم الذريعة المطلوبة. لم يكن الهدف من الهجوم فقط استعادة الهيبة بعد الفشل في اعتراض إطلاق المسيرة نحو تل أبيب، بل كان أيضًا إرسال تهديد حاد إلى طهران وحلفائها، وبشكل خاص إلى حزب الله.

شدّد المحللون العسكريون في الصحافة الإسرائيلية الموالية أن "الهدف من الهجوم [في اليمن] كان على بعد ما يزيد عن 1٬700 كيلومتر، أي أبعد 200 كيلومتر من طهران". قبل الهجوم بيوم، أوضح وزير الخارجية الأمريكي بلينكن أنه "بسبب إلغاء الاتفاق النووي، التقدير هو أن إيران الآن على بُعد أسبوع أو أسبوعين من القدرة النووية—بدلاً من أن تكون على بُعد سنة". في 19 نيسان، بعد القصف الإيراني، هاجم الجيش الإسرائيلي، وفقًا للتقارير، رادارًا لنظام الدفاع الجوي من نوع S-300 في إيران مرتبط بالدفاع الجوي للمنشأة النووية في نطنز. على الرغم من أن الهجوم المباشر على المنشآت النووية الإيرانية سيكون مخاطرة ذات احتمال تعقيد كبير من جانب النظام الإسرائيلي، لا يمكن استبعاد مثل هذا السيناريو تمامًا في ديناميكيات الصراع في المنطقة. من ناحية أخرى، فإن التصعيد في الصراع بين إسرائيل وإيران قد يحفز النظام الإيراني على المضي قدمًا في تطوير القدرة النووية العسكرية.

تواجه الرأسمالية الإسرائيلية أزمة متعددة الأبعاد وتلجأ إلى الاعتماد بشكل أكثر عدوانية ونارية على القوة العسكرية في محاولة لـ"إخماد" الأزمة وإعادة الاستقرار. غالانت، الذي يعارض علنًا دخول بن غفير إلى "مجلس الحرب" الإسرائيلي، لأنّه يعتقد أنه "مشعل حرائق يحاول إشعال الشرق الأوسط" — كما غرد في 24 تموز، بعد أن صرح بن غفير بقرار مزعوم بالسماح لليهود بالصلاة في ساحة المسجد الأقصى والحرم الشريف — يأسف لأنّ "مجلس الحرب" الإسرائيلي قرر في تشرين الأول تجنب حرب شاملة على لبنان خوفًا من فقدان السيطرة على الأحداث، ويدفع علنًا نحو "حرب ستغير الواقع" على الحدود الإسرائيلية–اللبنانية. الآلاف من السكان تم إجلاؤهم منذ شهور على جانبي الحدود، بينما تتواصل حرب الاستنزاف على طول الحدود بشدة متوسطة، بشكل يرتبط بوضوح مع استمرار الهجوم العسكري على غزة، الذي يمنع أيضًا المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل ولبنان برعاية واشنطن وباريس حول ترسيم الحدود البرية.

يعكس تهديد الحرب الشاملة على لبنان رغبة لدى الطبقة الحاكمة الإسرائيلية في العثور على فرصة لـ"تقليص" القوة العسكرية لحزب الله في محاولة لتحقيق الاستقرار على الحدود — بعد عقود من الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية، التي تضمنت فترات من الحروب، والاحتلال، ومحاولة تغيير النظام في لبنان — ولإضعاف التحدي العسكري من قبل طهران وحلفائها. تم تأجيل تهديدات الغزو الإسرائيلية حتى الآن، ليس فقط تحت الضغط العلني من واشنطن، ولكن أيضًا بسبب تردد الطبقة الحاكمة الإسرائيلية تجاه العواقب المعقدة، خاصةً بينما تظل موارد آلة الحرب الرأسمالية الإسرائيلية مستثمرة بشكل مكثف في سيل الموت والدمار المروع ضد سكان قطاع غزة. ومع ذلك، تتواصل الهجمات والاغتيالات الاستفزازية في لبنان وسوريا وإيران، ويزداد في بعض الأوساط في الطبقة الحاكمة الإسرائيلية الطلب على استعراض قوة النظام الإسرائيلي في لبنان، الذي سيظهر للمنطقة بأسرها نفوذه.

على الرغم من أنه لا يزال غير واضح ما إذا كان نتنياهو وغانتس قد قررا المبادرة بهجوم شامل ضد حزب الله، وعلى الرغم من أن حزب الله نفسه يفضل تجنب الانزلاق إلى حرب شاملة، فإن الاغتيالات والهجمات الاستفزازية الإسرائيلية قد تؤدي إلى تحول دراماتيكي من هذا النوع. سيناريو الحرب الشاملة بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله سيكون كارثة شديدة بالنسبة للجمهور اللبناني، لكنه سيؤدي أيضًا إلى قصف واسع النطاق على الأراضي الإسرائيلية كجزء من تصعيد عسكري إقليمي. بالنظر إلى نظام الصواريخ لدى حزب الله، يمكن أن يصل عدد القتلى في الأراضي الإسرائيلية إلى 15 ألفاً، وفقاً لتقديرات رئيس مجلس الأمن القومي السابق.

شعار "النصر المطلق" والانقسامات داخل الطبقة الحاكمة الإسرائيلية

مباشرة بعد الاغتيالات في نهاية تموز، خرج غالانت بتبجح منادياً بإبرام صفقة، على ما يبدو للخروج ب"صورة نصر" ومنع سيناريو تصاعد الضربات العسكرية الذي قد يخرج عن السيطرة، ولربما أيضاً في محاولة لتهدئة عائلات المخطوفين. ومع ذلك، كما كان يعرف نتنياهو وغالانت وشركائهما، فإن الاغتيال في الأراضي الإيرانية يدفع النظام الإيراني مرة أخرى إلى تشكيل تحالف إقليمي للرد بشكل دراماتيكي. حقيقة أن السبب وراء ذلك هو اغتيال قائد فلسطيني قد يخلق صعوبات أمام النظام الإسرائيلي في محاولاته للحصول على نفس التحالف الذي ساعده في اعتراض الصواريخ الإيرانية في نيسان. في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن تكلفة الاعتراض الإسرائيلي للصواريخ الإيرانية وحدها قدرت بأكثر من ملياري شيكل، وهو مبلغ يعادل تقريباً المبلغ الذي قدمه رئيس ال"هستدروت" (الاتحاد العام للعمال) بار — دافيد هذا العام من جيب مستحقات النقاهة للعمال في الاقتصاد الإسرائيلي، لتغطية تمويل الحرب لسموتريتش.

تجمّدت المفاوضات غير المباشرة بدايةً بين الحكومة الإسرائيلية وحماس بالطبع ردّاً على عملية الاغتيال. كما تساءل رئيس وزراء قطر: "كيف يمكن للوساطة أن تنجح عندما يقوم أحد الأطراف باغتيال ممثل الطرف الآخر في المفاوضات؟". مرة أخرى، قررت الحكومة الإسرائيلية الاستمرار في الهجوم العسكري واستبعاد، رغم التصريحات الشكلية، صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى كجزء من محاولة لتخفيف التصعيد في السياق الإقليمي. ليس من قبيل الصدفة أن نتنياهو لم يشر إلى أي ذكر للمفاوضات في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي، بينما يسعى في الوقت ذاته إلى صدّ الضغوط الدولية وكذلك الضغوط من قبل حركة الاحتجاج الإسرائيلية المصرّة على إبرام "صفقة الآن"، ووجود تأييد قوي في الرأي العام المحلي الذي دعم هذه الدعوة بشكل عام في الفترة الأخيرة.

المخطط الذي تروج له واشنطن منذ شهور، بالاعتماد على الوساطة القطرية والمصرية وحتى التركية، وبمساندة دوائر في الطبقة الحاكمة الإسرائيلية وقيادة الجيش وأجهزة الأمن في دولة إسرائيل، من المفترض أن يؤدي إلى تبادل الأسرى والمختطفين، ونهاية "ظاهرية" للهجوم العسكري الواسع النطاق على قطاع غزة. مرة تلو الأخرى، حاولت الحكومة الإسرائيلية فرض إسقاط شرط عسكري يتمثل في إنهاء الحرب وسحب جميع قوات الاحتلال من القطاع، بينما تضع شروطاً متعجرفة مثل السيطرة على "محور فيلادلفيا" لتعزيز الحصار وابقاء الحواجز في قلب القطاع للتحكم بالسكان. ومع ذلك، فإن التقارير المتكررة التي تنقض هذا الكلام منذ شهور، بما في ذلك التصريحات العلنية السابقة لبايدن، بشأن صفقة لوقف إطلاق النار التي يُتوقع أن تُبرم في "الوقت القريب"، تعكس نقاشاً حقيقياً داخل السلطة الإسرائيلية، التي تفتقر موضوعياً إلى مسار واضح لاستراتيجية خروج مستقرة.

على الرغم من الدعم الحاسم من واشنطن، وعلى الرغم من تصعيد الأوضاع من خلال الضربات العسكرية الاستعراضية، فإن الرأسمالية الإسرائيلية لا تمتلك هامش مناورة غير محدود في "حرب الإبادة". كما أوضحنا، فإن قيود قوتها ترجع أساساً إلى توازن القوى الطبقية على الصعيدين الإقليمي والعالمي — خاصة في الشرق الأوسط في عصر ما بعد موجة الثورات عام 2011، حيث أن الخوف من الجماهير في المنطقة، وبشكل خاص من تدخل قوى الطبقة العاملة، قد أعاق في الأشهر الأخيرة تعاون نظام السيسي والمملكة الأردنية مع احتمال التطهير العرقي على شكل تهجير جماعي من غزة إلى سيناء. هذه الظروف، إلى جانب الحاجة لتبرير الهجوم العسكري على الصعيدين الدولي والمحلي، تعزز الضغط على الطبقة الحاكمة الإسرائيلية لمحاولة إبعاد وزراء اليمين المتطرف عن مركز اتخاذ القرار في الحملة العسكرية. على الرغم من حجم القتل والدمار الهائل، فإن التيار الرئيسي في الطبقة الحاكمة الإسرائيلية يخشى من طموحات اليمين المتطرف لإعادة الاستيطان في غزة، ويشعر بالقلق من منطق حل "المشكلة الديموغرافية" من خلال اللجوء إلى خطة لتعظيم الإبادة الجسدية. هذه النقطة تسلط الضوء على جزء من الضعف الجوهري في الطبقة الحاكمة الإسرائيلية، التي قد تبدو كما لو أنه لا توجد قوة في العالم يمكن أن تردعها عن الفظائع التي ترتكبها في غزة والمنطقة. في هذا السياق، على الرغم من أن الحديث يدور عن ذروة القتل الجماعي للفلسطينيين، فإن الطبقة الحاكمة الإسرائيلية ليست في موقع يمكنها من فرض انسحاب حقيقي على الحركة الوطنية الفلسطينية.

في هذه الأثناء، فإن السعي بأي ثمن وراء صورة زائفة لـ"النصر المطلق"، كما يروج نتنياهو بشعاره الفارغ، لصالح نظام الاحتلال للرأسمالية الإسرائيلية والأمبريالية الغربية، على حساب أنهار الدم، يدفع بشكل متسارع في جميع أنحاء العالم وحتى في المجتمع الإسرائيلي إلى مقاومة استمرار الهجوم العسكري على غزة. في هذا السياق، تعمقت الانقسامات داخل الطبقة الحاكمة الإسرائيلية، حيث يخشى التيار الرئيسي من أن السياسة الخشنة والمغامرة وغير المرنة لـ"إدارة الأزمة"، تحت تأثير الحسابات السياسية الضيقة لنتنياهو ووزراء اليمين المتطرف، ستكلفهم أثمانًا فائضة عن الحاجة في العلاقات الدولية، وخصوصاً مع واشنطن وأنظمة المنطقة، وستؤدي إلى عواقب تعمق العمليات التي تقوض الاستقرار حتى في المجتمع الإسرائيلي.

لم يكن نتنياهو، كما ذُكر، هو السبب الوحيد الذي أجهض إبرام صفقة بين حكومة إسرائيل وقيادة حماس في الأشهر الأخيرة، لكن من الواضح أن قيادة "منظومة الأمن" الإسرائيلية دخلت مؤخراً في توتر مع نتنياهو، خاصةً حول المفاوضات بشأن الصفقة، والتي يبدو أنها ضرورية لتصورهم للرأسمالية الإسرائيلية كخطوة تحافظ على التوازن، في حين يتهمهم نتنياهو بأنهم "ضعفاء" ويصر على أنه "بدلاً من الضغط على رئيس الوزراء، اضغطوا على سنوار". هذه النقطة هي مركز التوتر الحالي في سياق "إدارة الأزمة"، كجزء من انتعاش جديد للتوتر بين الشعبوية اليمينية لنتنياهو ووزراء الليكود، وخطط وزراء اليمين المتطرف، وبين الطبقة الحاكمة وقيادة "منظومة الأمن" وجهاز الدولة. التوتر السياسي العلني بين نتنياهو وغانتس — بينما الأول يسعى مرة أخرى لإقالة الأخير، حتى وسط أزمة الحرب — هو جزء من هذه العملية.

تجلّت هذه العودة إلى خطوط الصراع الرئيسية التي رافقت الحكومة الحالية قبل السابع من أكتوبر، في الحركة العابرة للطبقات ضد خطة "الانقلاب القضائي"، التي بلغت ذروتها في الإضراب العام في اذار 2023، بعد محاولة نتنياهو عزل غالانت، التي عبرت عن معارضة أجهزة "الأمن" لأجندة الحكومة (الإضراب الذي سبقته انتفاضة الاحتجاجات وحصلت على اللقب التسطيحيّ "ليل غالانت" من قبل الدوائر الرسمية، نسبة إلى جذور الهبة). يشير تفكيك "المجلس الأمني" الضيق بعد انسحاب "المعسكر الوطني" برئاسة غانتس في حزيران، بعد أن حاول أن يكون "كلب حراسة" لمصالح الطبقة الحاكمة بانضمامه إلى حكومة نتنياهو لإدارة الأزمة، إلى الضعف النسبي للطبقة الحاكمة أمام التحالف الحكومي لنتنياهو. لم يتمكنوا من ثني يده خلال الأزمة الدموية، وبالتأكيد لم يتمكنوا من تفكيك حكومته. حقيقة أن الدعم العام الإسرائيلي لغانتس قد انخفض فقط في الأشهر الأخيرة، ولم يرتفع حتى بعد انسحابه من الحكومة، هي علامة أخرى على ضعف "المعارضة" لكتلة الوسط-يمين أمام كتلة نتنياهو.

على الرغم من أن الحكومة ليست شعبية، فإنها تعتمد على أقلية لا يستهان بها من السكان اليهود وتنجح حتى الآن في احتواء انقساماتها الداخلية الحادة — بما في ذلك في سياق الضغط عليها لإظهار أنها تعمل على تجنيد الحريديم للجيش في حين أنها تطيل فترة التجنيد الإلزامي العام لأغراض الاحتلال. فترة عطلة الكنيست الحالية حتى نهاية تشرين الأول تخفف عن نتنياهو إجرائيًا من حيث الحفاظ على الائتلاف الحاكم وتأجيل تقديم الانتخابات، التي تنذر له في الوقت الحالي بهزيمة انتخابية. ومع ذلك، وعلى نحو حاسم، فإن بقاءه في السلطة ظلّ تعبيرًا عن ضعف القوى التي تتحداه، سواء من داخل الطبقة الحاكمة أو من الجماهير، الذين لا قدرة لهم على ليّ ذراعه أو ازاحته جانبًا.

تصريح المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هجاري، في بداية تموز، بأن الشعارات المتعلقة بـ"تدمير حماس" وحل أزمة المختطفين بالوسائل العسكرية هي في الواقع شعارات كاذبة، عكس في حد ذاته تصادماً حاداً مع نتنياهو وشعار "النصر المطلق". في وقت لاحق من نفس الشهر، توجه وزراء من الليكود واليمين المتطرف إلى هجوم شعبوي يميني على قيادة الجيش، على غرار قضية الإعدام على يد جندي في الخليل في عام 2016 ("قضية أزاريا")، حيث وقفوا إلى جانب جنود احتياط اعتدوا جنسياً على أسير فلسطيني في مرفق الاحتجاز والتعذيب الشهير "سديه تيمان"، المعروف بـ"غوانتانامو الإسرائيلي"، وتم اعتقالهم بشكل استثنائيّ. طلب غالانت علنياً من نتنياهو أن يتحقق مما إذا كان وزير الأمن القومي، بن غفير، قد أخر عمداً وصول قوات الشرطة إلى المرفق بينما اقتحم مجموعة من اليمين المتطرف المرفق وقاعدة الشرطة العسكرية، مع وزراء من الحكومة. تم التعامل مع المتظاهرين من اليمين المتطرف برفق، ليس فقط مقارنة بالفلسطينيين، الذين كانوا يُعدمون في مثل هذه الظروف، ولكن أيضاً مقارنة بعائلات المختطفين والمتظاهرين المطالبين بـ"الصفقة الآن" الذين كانوا هدفاً لعنف شرطة بن غفير في الآونة الأخيرة.

الضغوط الدولية

تواجه حكومة إسرائيل موجة من الضغوط الدولية نتيجة المخاوف من توسع الصراع العسكري في المنطقة، وتأثيراته التي قد تزعزع استقرار الاقتصاد العالمي، في فترة يحذر فيها المنتدى الاقتصادي العالمي من "ركود جيو-سياسي"، وتعكس التقلبات الكبيرة في الأسواق المالية المخاوف من ركود وشيك في الولايات المتحدة والصين. هناك أيضًا زيادة في المخاطر المتعلقة بسباق التسلح الإقليمي والعالمي وأعباء مطالب التسلح الهائلة في سياق أزمات الحرب في أوكرانيا وغزة، بالإضافة إلى تأثيرات تزعزع الاستقرار السياسي، أولاً وقبل كل شيء نظراً للغضب الجماهيري وحركة الاحتجاج الدولية. وقد دفع حكم بايدن، الذي يمثل الراعي الرئيس لحمّام الدم التاريخي، إلى التوتر الشديد مع حكومة نتنياهو في الأشهر الأخيرة، حيث فشل بشكل علني في فرض هيمنة الإمبريالية الأمريكية على إدارة الحملة العسكرية الإسرائيلية.

في ذات الوقت، في بريطانيا، وبضغط من المزاج العام الذي أسقط الحزب المحافظ في الانتخابات، ألغت حكومة (العمال الجدد) الاعتراض البريطاني على إمكانية إصدار أوامر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو وغالانت، وفقًا لطلب المدعي العام كريم خان. على عكس الأمر الذي صدر ضد بوتين في سياق الحرب في أوكرانيا، فإن هذه الحالة قد تكون المرة الأولى التي يتم فيها اتخاذ مثل هذا الإجراء ضد ممثلي نظام "غربي". وهذا يعكس قوة تداعيات الأزمة الدمويّة في غزة على النظام العالمي، وعمق الصدمة التي أحدثها في الوعي العام على مستوى العالم، وكذلك محاولات الطبقات الحاكمة لتهدئة الغضب.

بعد الفيتو الأمريكي في "مجلس الأمن" التابع للأمم المتحدة ضد عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، أعلنت تسع دول وطنية إضافية، بما في ذلك أربع دول أخرى في أوروبا، خلال الفترة من نيسان إلى حزيران عن انضمامها للاعتراف من قِبل معظم دول العالم بالسلطة الفلسطينية كدولة فلسطين. وفي الوقت نفسه، فإن الإدانات الرمزية الرسمية، بما في ذلك من خلال الوسائل القانونية، للقتل الجماعي وقمع الفلسطينيين، هي بالفعل تطور إيجابي لأنها تعقد الأمور إلى حد ما بالنسبة للطبقة الحاكمة الإسرائيلية، وقد تحفز أحيانًا العزم والثقة في حركة الاحتجاج الدولية. ومع ذلك، من المهم النظر إلى الوضع بعين فاحصة وتذكر أن هذه الإدانات لا تهدد في حد ذاتها بإيقاف حمّام الدماء في غزة، ولا تشير إلى طريقة لوقفه، وتستخدمها الحكومات كبديل لاتخاذ إجراءات أكثر دراماتيكية، في محاولة لتهدئة الرأي العام وتقليل الانتقادات، وفي الواقع تغذي الأوهام في القوى السياسية والمؤسسات التي تعمل كأدوات للطبقات الحاكمة. وهكذا، استبدل نظام السيسي في مصر تهديدًا بتعليق اتفاقية السلام مع إسرائيل بإعلانه الانضمام إلى مطلب تقديم طلب إلى محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة للاعتراف الرسمي بتعريف الهجوم الوحشي على سكان غزة على أنه إبادة جماعية. يجب ملاحظة أن هذه الخطوة، التي كانت موجهة لأغراض دعائية بالنسبة للحكومة الرأسمالية في جنوب أفريقيا، لم تمنع الحزب الحاكم (ANC) من الوصول إلى أدنى مستوى له في الانتخابات في أيار وفقدان أغلبيته المطلقة في البرلمان لأول مرة منذ سقوط نظام الفصل العنصري، كعقاب على أزمة رأسمالية طويلة الأمد أغنت حفنة من أصحاب رؤوس الأموال وأدامت المعاناة الجماعية الشديدة.

تجنبت محكمة العدل الدولية (ICJ) حتى الآن إصدار "أمر" بوقف شامل لإطلاق النار في غزة، لأنها لا تعارض من حيث المبدأ شرعية الهجوم العسكري على غزة، ولكنها طلبت من دولة إسرائيل الامتناع عن غزو رفح. وليكن. في رأي استشاري، بناءً على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة (من عام 2022)، قضت محكمة العدل الدولية في 19 تموز أن الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنات في أراضي 67 ليست "قانونية". وليكن. قد يؤدي فقدان صبر معين بين الطبقات الحاكمة، تحت ضغط حركة الاحتجاج الدولية والتورط الجيواستراتيجي، تجاه الاحتلال الإسرائيلي بصيغته الحالية، باعتباره عامل فوضى بالنسبة لنظامهم، إلى مزيد من التحركات الرمزية، بما في ذلك عقوبات دولية محدودة ضد الاحتلال والمستوطنات في أراضي 67. قد تكون محكمة العدل الدولية مصدرًا للسلطة لتبرير خطوات محددة، رغم أن فكرة العقوبات الشاملة على الدول على غرار المقاطعة العربية التاريخية، والتي فشلت، ليست على الطاولة في المستقبل القريب. أساسًا، مظهر النظام العالمي المبني على قواعد قانونية، لم يوقف الاحتلال الإسرائيلي، أو بشكل عام، العدوان الإمبريالي وأنظمة القمع، وبالتأكيد منذ أن سلمت العولمة النيوليبرالية مكانها لصعود الصراع الإمبريالي العالمي، فإن قوة الردع الرمزية للآليات القانونية الدولية قد تآكلت.

التقاء المصالح الجيو-استراتيجية وفقًا لخطوط الصراع العالمية والإقليمية الأساسية يكمن في حقيقة أن "الخطوط الحمراء" التي وضعها بايدن، أو نظام السيسي في مصر، قد أثبتت على مدى أشهر من المذبحة الدموية البربرية في قطاع غزة أنها مرنة بشكل ملحوظ، واستمر تدفق المساعدات العسكرية على نطاق واسع وغير مسبوق رغم التباطؤ في وتيرة المساعدات والتأخيرات المعلنة لأغراض الدعاية. تسعى معظم الأنظمة الرجعيّة العربية، على الرغم من الحيل الإعلامية لتحويل غضب الجمهور، إلى الاستمرار في التقدم على مسار عملية "التطبيع" وفق ما تسمح به الظروف. على سبيل المثال، في 18 تموز، اجتمع ممثلون من الولايات المتحدة، وإسرائيل، والإمارات في أبو ظبي لتعزيز النقاش حول "اليوم التالي". مشاركة الأنظمة في المنطقة، بما في ذلك السعودية، في التحالف بقيادة الولايات المتحدة الذي اعترض الصواريخ الإيرانية الموجهة نحو إسرائيل في نيسان، واعتراض الجيش الأمريكي لبعض صواريخ الحوثيين على تل أبيب، أعادت إلى السطح ذلك الالتقاء الاستراتيجي الأساسي.

من ناحية أخرى، يتزايد التعاون بين الإمبريالية الروسية والنظام الإيراني، والذي تعزز بعد الحرب في أوكرانيا (ويظل نظام زيلينسكي بدوره ثابتًا في دعمه للفظائع التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، كجزء من حملة لدفع الإمبريالية الإسرائيلية لتوفير دعم عسكري واسع له). وفقًا للتقارير الإعلامية، بينما مارس الكرملين ضغوطًا على طهران لتخفيف هجوم الرد على الاغتيال، أكد مسؤولون إيرانيون مطلعون على الاستعدادات للهجوم أن "روسيا بدأت في نقل أنظمة الدفاع الجوي والرادارات المتقدمة إلى إيران" في ظل التوتر في المنطقة، وطهران تضغط لتسريع تزويدها بطائرات مقاتلة من طراز Su-35.

ضمن ذلك، تدخّل شي جين بينغ مباشرة ليحث الرئيس الفلسطيني محمود عباس على إرسال وفد يمثل السلطة الفلسطينية إلى اجتماع الفصائل الفلسطينية في بكين، والذي انتهى في 23 تموز بإعلان مصطنع عن "اتفاق مصالحة" آخر على الورق، الذي من المفترض أن يشكل قاعدة لحكومة ائتلافية بين فتح وحماس تحكم محليًا في غزة في ظل الاحتلال، "في اليوم التالي"، على الرغم من أن هذا الترتيب لن يكون مقبولًا في الواقع ليس فقط على القوة المحتلة ولكن أيضًا على قيادة فتح والسلطة الفلسطينية، التي تعتمد على التعاون الوثيق مع الإمبريالية الغربية.

يلعب النظام البونابرتي لأردوغان في تركيا لعبة مزدوجة، محاولاً كسب التأييد الشعبي على الصعيدين الوطني والإقليمي من خلال تعزيز صورة محاربة لمكبّر مزعوم لصيحات الاحتجاج ضد حمام الدم في غزة — لدرجة إعلان تجميد التجارة مع إسرائيل حتى نهاية الحرب وخطابات خاوية تهدد بأنه "كما دخلنا كاراباك، وكما دخلنا ليبيا، قد نفعل الشيء نفسه [مع إسرائيل]." ومع ذلك، هو متمسك بالناتو، وفقط قبل عامين أعاد تجديد العلاقات الدبلوماسية بالكامل مع إسرائيل. على هذا الأساس، اجتهدت أنقرة لتصبح لاعباً رئيسياً في الوساطة بين حماس وحكومة إسرائيل، كجزء من سياسة تسعى لتحديد موقعها كوسيط بين الكتل الإمبريالية العالمية، ولكن دورها في الوساطة ظل ثانوياً.

بطريقة ديالكتيكية، تُدفع الطبقات الحاكمة في "الغرب" لخدش وتأييد الرأسمالية الإسرائيلية. على عكس الحرب في أوكرانيا، التي منحت في البداية للكتلة الإمبريالية الغربية مجالاً أكبر لتنمية صورة "ديمقراطية" زائفة، والتماسك وصقل الناتو ضد الكتلة المنافسة بقيادة الإمبريالية الصينية والروسية، فإن الهجوم العسكري الضخم على سكان غزة سلط الضوء على دور الإمبريالية الأمريكية والغربية في الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري للقمع والقتل الجماعي للفلسطينيين، وأثار انقسامات واضحة بين الطبقات الحاكمة في الكتلة. رغم أن النظام الإسرائيلي عمل دائماً بشكل مستقل نسبياً فيما يتعلق بالعدوان العسكري في المنطقة والسياسات الاستيطانية في أراضي 67'، إلا أن حكومة نتنياهو تستغل الآن عمدًا فهمها بأن شبكة المصالح الإمبريالية الأمريكية تقيد حكومة الولايات المتحدة بشكل وثيق لمواصلة الدعم عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا لتعزيز موقع الرأسمالية الإسرائيلية في المنطقة.

كجزء من حركة التضامن الدولية، في نهاية تموز، طالبت سبع نقابات في الولايات المتحدة، التي تمثل حوالي 6 ملايين عاملة وعامل، إدارة بايدن "بإيقاف فوري للمساعدة العسكرية للحكومة الإسرائيلية". وقد انضم إلى هذا الطلب عشرات من أعضاء الفرق الطبية من الولايات المتحدة الذين عادوا من تقديم العون الطبي في غزة لضحايا الهجمات الإسرائيلية، وغالبيتهم من الأطفال والفتيان — كما أوضحت الفرق الطبية بشأن الطابع البربري للهجمات على السكان الفلسطينيين: "لا يُطلق النار على الأطفال مرتين عن طريق الخطأ من قبل قناص". الطلب العالمي بفرض حظر على الأسلحة ضد حمام الدماء في غزة والعدوان الإقليمي، بما في ذلك الاحتجاجات المتزايدة في بريطانيا وفرنسا، يساعد في الكشف بشكل مباشر عن الدور النشط للحكومات ورأس المال في صناعة الأسلحة في إمداد الوقود للفظائع.

التدخل المباشر في مواقع مختلفة حول العالم من قبل النقابات الرسمية ومجموعات العمال والعاملات المستقلة، بما في ذلك الفرق الطبية، في الاحتجاج ضد حمام الدماء في غزة وفي أعمال التضامن لوقف نقل الأسلحة وعزل الحكومة الإسرائيلية وسلطات الاحتلال، يشير إلى اتجاه ابتدائي ضروري لزيادة الضغوط لوقف آلة الحرب للرأسمالية الإسرائيلية. حتى خطوات المقاطعة الرمزية ضد الجهات الرسمية الإسرائيلية في المطالبة الأساسية بوقف حرب الإبادة، رغم كونها خطوات ذات وزن رمزي، يمكن أن تعزز الاحتجاجات على الأرض ضد حكومة الدماء الرأسمالية الإسرائيلية، سواء بين الفلسطينيين أو في تعزيز التواصل مع العاملات والعاملين من المجتمع الإسرائيلي المعارضين للحكومة ويدعمون "الصفقة الآن". النهج الذي يروج لتكتيك المقاطعة الموجهة والمحددة ضد الجهات الرسمية، مصحوبًا بخط توعية يتوجه إلى شرائح واسعة من العاملين الإسرائيليين المعارضين لحكم اليمين الإسرائيلي، يحتوي على إمكانات أكبر لعرقلة آلة الاحتلال والحرب الإسرائيلية مقارنةً بالنهج الذي يرى بشكل مبسط المجتمع الإسرائيلي ككتلة رجعية واحدة.

مخيم الاحتجاج في جامعة كولومبيا في نيويورك، 21.4 (المصدر: ويكيميديا)

النضال، التنظيم، البديل

في أوساط الفلسطينيين، وخاصة في الضفة الغربية، يظل النفور من السلطة الفلسطينية والرئيس عباس، كعناصر تُستخدم في النهاية كمقاولين ثانويين للاحتلال الإسرائيلي، عميقًا وثابتًا. تمّ الدفع بالسلطة الفلسطينية إلى محاولة احتواء الاحتجاجات والإضراب الاحتجاجي في المناطق المختلفة في الضفة الغربية ردًا على اغتيال هنية، ولكن المبادرات الاحتجاجية المستقلة التي لم تحصل على موافقة السلطة تواجه دائمًا قمعًا وتنكيلًا. تُضاف عمليات الملاحقة والسّحق من قبل السلطة إلى الهجمات من قبل قوات الاحتلال (النظاميّة) وميليشيات المستوطنين (غير النظاميّة)— فقد قُتل ما يقرب من 600 فلسطيني في الضفة الغربية على يد الاحتلال منذ 7 أكتوبر. إلى جانب الهجمات الوحشية وأعمال التطهير العرقي في مناطق C، أصبحت مناطق السلطة في شمال الضفة الغربية مركزًا رئيسيًا لعمليات الاقتحام والاعتقال والقتل من قبل قوات الاحتلال، بما في ذلك الاغتيالات عبر الطائرات المسيرة، مثل الهجمات التي قُتل فيها تسعة فلسطينيين بالقرب من طولكرم في 3 آب. يُنظر إلى الدعم الشعبي لحماس من قبل الكثيرين، خاصة في الضفة الغربية، كبديل "مقاتل" للطريق السياسي الأساسي الذي تقترحه النخبة في السلطة وقيادة فتح (رغم أن مروان البرغوثي، المعتقل لدى إسرائيل والذي يُعتبر من جناح مفصول عن فتح، يبقى الزعيم الفلسطيني الأكثر شعبية، وبالتالي تطالب حماس أيضًا بالإفراج عنه كجزء من صفقة الآن). ومع ذلك، يمثل كلا الفصيلين الرئيسيين في الحركة الوطنية طريقًا مسدودًا، حيث أن كل طرف يمثل برنامجًا سياسيًا يمينيًا مختلفًا يرتكز على النظام الرأسمالي وعلى الدعم والتدخل من القوى الإمبريالية. مع ذلك، بينما تراجع الدعم الشعبي لحماس قليلاً في الأشهر الأخيرة، تكمن الإمكانات للتنظيم المستقل وللخطوات الرامية إلى تقديم بديل من اليسار، في شريحة من الشباب الفلسطيني، خاصة في أوساط طبقة العاملين والعاملات، الذين يرفعون رؤوسهم رغم خطر الموت في مواجهة هجمات الاحتلال ويظلون مشككين في الفصائل الرئيسية.

شمل التطور الهام في الاحتجاج والتنظيم في أوساط الشبان الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، والذي استلهم جزئيًا من الموجة العالمية من احتجاجات الطلبة في الجامعات، عددًا ملحوظًا من التنظيمات المستقلة الجديدة. من بين هذه التنظيمات، مجموعة "جمعتنا" في معهد التخنيون، و"اللجنة المشتركة للكتل الطلابية في المعاهد العليا" — وهو ائتلاف من 26 لجنة طلابية فلسطينية في الجامعات الإسرائيلية تأسست في بداية الحرب. قامت اللجنة بتنظيم يوم الحراك العابر للجامعات في 28 أيار، الذي شهد مشاركة فلسطينيين ويهود، وشمل إضرابًا عن الدراسة لمدة ساعة ومظاهرة تضم حوالي 300 متظاهرة ومتظاهر في حرم الجامعة العبرية، كرد فعل على الغزو الإجراميّ لرفح، مع رسائل أساسية تناهض حرب الإبادة في غزة وتناصر التحرر من القمع القومي. ظهر هذا الاتجاه بشكل متداخل وبعد التجنّد العالي في الاحتجاجات ضد الحرب التي نظمتها لجنة المتابعة في يوم الأرض ويوم النكبة. مع الموجة العالمية، يبدو أنها الآن في مرحلة التهدئة، ولكن الإطار التنظيمي قد يسهل المبادرات لأيام عمل إضافية في المستقبل. عقد الاجتماعات النقاشية المحلية والوطنية، بما في ذلك مع قوى أخرى في الحركة ضد الحرب، يمكن أن يساعد في تعزيز الجاهزية.

"قانون الإسكات" الذي يروّج له رؤساء "اتحاد الطلاب والطالبات" بالتعاون مع الحكومة الرأسمالية الدموية، يهدف إلى تعزيز الملاحقة المكارثية القومية لرقابة أعضاء هيئة التدريس والحرم الجامعي بشكل عام، وفقًا لدعاية آلة الحرب والاحتلال. يتم تمويل الترويج لهذا القانون بنحو نصف مليون شيكل من أموال الطلاب، دون موافقة بعض الجمعيات المكونة للاتحاد، وبعد أن منعت قيادة الاتحاد في العام الماضي محاولة من الطلاب لتوجيه الجمعيات لمكافحة "الانقلاب القضائي"، بذريعة أن ليس من مهامها التدخل في القضايا "السياسية". حقيقة أن بعض جمعيات الطلاب التي دعمت المبادرة واضطرت أيضًا لسحب دعمها من الحملة تشير إلى إمكانية عرقلة ذلك. على الرغم من الاضطهاد السياسي الشديد، فإن التحالف الحكومي الضعيف لنتنياهو ليس في وضع النظام البونابرتي لروسيا، وليس قادرًا على قمع كل تحدٍ تقريبًا في المجال العام. في مواجهة تدخل الحكومة المتزايد في مؤسسات التعليم العالي، تعود إدارات المؤسسات الأكاديمية أيضًا إلى مواجهة متزايدة مع الحكومة.

مع ذلك، فإن ضعف قوى اليسار في المنطقة، وفي المجتمع الإسرائيلي بشكل خاص، ينعكس في الفاعلية النسبية للديماغوجية الأمنية التي تستخدمها الطبقة الحاكمة الإسرائيلية لدفع رد فعل قومي رجعي يتجاوز قاعدة دعم الحكومة. على سبيل المثال، أيد 69٪ من السكان البالغين في إسرائيل الاغتيالات في بيروت وطهران ('معاريف'، 2.8). في حين أن نسبة عدم الثقة العامة في الكنيست والحكومة تُقدّر بنحو 80٪، فإن نسبة الثقة في الجيش الإسرائيلي هي في الوقت نفسه 80٪، وتؤيد أقلية واسعة من 45٪ من السكان في إسرائيل — وهو ما يتجاوز قليلاً نسبة التأييد لنتنياهو — الحرب الشاملة التي يشنها حكم اليمين الإسرائيلي على حزب االله (N12، 2.8).

بعد عمليات الاغتيال الاستعراضيّة، نشر "مقر العائلات لإعادة المختطفين والمفقودين" — الذي تعرض لأزمة عميقة خلال الأشهر الأخيرة، وتحت ضغط من الحكومة لـ"تخفيف الرسائل"، وتوقف فعلياً عن كونه منظمة نضالية — بياناً يمينياً، يعزز الأوهام في دعاية الحكومة بشأن "الضغط العسكري"، حيث "يدعم الجيش الإسرائيلي في الضربات المستهدفة المهمة التي نفذت في الأيام والأسابيع الأخيرة والإنجازات العسكرية في الأشهر العشرة الأخيرة في غزة". هذا البيان يشير إلى الضغوط الإيديولوجية التي يمارسها التيار الرئيسي في الطبقة الحاكمة على النضالات التي يحاول استغلالها لدفع مصالحه في وجه الحكومة الدموية الرأسمالية، حيث إن الدعاية تبرر ليس فقط القمع والقتل الجماعي للفلسطينيين، ولكن أيضاً استمرار القتل والإضرار بالمختطفين، ودفع المنطقة إلى حافة الحرب الإقليمية. ومع ذلك، عبّر قادة مراكز الاحتجاج لعائلات المختطفين في الميدان عن موقف نقديّ وأكثر نضالا ضدّ الحكومة. على سبيل المثال، أصروا على مواصلة الاحتجاجات حتى عندما دعا الجناح الرسمي اليميني الممثل بمنظمي مراكز "الانتخابات الآن" إلى تجنب التظاهر في ظل التوتر العسكري الإقليمي، وفي مظاهرة شهدت مشاركة حوالي ألف شخص في تل أبيب (3.8)، قال داني ألغرت، شقيق المختطف إتسيك ألغرت، إن "تصفية هنية هي تصفية للمختطفين وتصفية للمفاوضات".

التعامل المتناقض مع حكومة الدماء الرأسمالية من قبل جزء كبير من المظاهرات الإسرائيلية ضدها يتجلى في حقيقة أن نفس الحكومة التي تثير عدم الثقة العميقة، بما في ذلك الأصوات من التيار الرئيسي التي تصف نتنياهو بالإرهابي، لا تزال تستطيع الاعتماد على ثقة واسعة في أفعالها العسكرية. هذه الحالة تعكس نجاح الطبقة الحاكمة الإسرائيلية في الاعتماد المنهجي على سموم الشوفينية الوطنية، بدعم من الديماغوجية الأمنية، لاستقطاب ملايين العاملين والعاملات الإسرائيليين إلى جدول أعمالها، وإبعادهم عن مسار حيوي من النضال والتضامن الدولي ضدها — وأولاً وقبل كل شيء، التضامن مع تطلعات الحرية لملايين الفلسطينيين والفلسطينيات.

يلعب الضغط الأيديولوجي الوطني الرجعي دورًا معيقًا في بناء بديل سياسي مستقل من اليسار في مواجهة أحزاب المؤسسة في المجتمع الإسرائيلي، على أساس برنامج لحل جذري للمشاكل التي هي في صلب الأزمة الدموية. وموضوعيًا، لا يمكن لبرنامج كهذا أن يقدم مخرجًا على أساس النظام الرأسمالي والعلاقات الإمبريالية، بل يتصل بسياق النضال الإقليمي ضد الأنظمة القمعية والرأسمالية والإمبريالية، ومن أجل التغيير الاشتراكي.

في ذات الوقت، وهذه نقطة حرجة، فإن هذا التناقض الجوهري، بسبب تطوره، يحمل في طياته أيضاً بحثاً عن بديل في سياق استخلاص نتائج مستقلة. وهكذا، فإن تطور الشعور بـ"تعب الحرب" الذي حل محل تأثير صدمة 7.10، وتحت تأثير الانقسامات في الطبقة الحاكمة، عزز اتجاهاً متزايداً لدعم وقف الحرب. يبدو أن المجال للتدخل من اليسار في تلك المظاهرات، مع رسالة واضحة لمعارضة الحرب، قد توسع مقارنة بالفترة الأولى.

بينما تمثل الحركة المطالبة بـ"انتخابات الآن" امتدادًا لجزء من الائتلاف المؤسسي المنظم الذي يقف خلف حركة "فقط ليس بيبي"، المنبثقة عن حركة الاحتجاج في كابلان ضد "الانقلاب القضائي"، فإن الحركة الناشئة المطالبة بـ"صفقة الآن" تقودها الفئة النضاليّة من عائلات المختطفين، وتتميز أيضًا بتجنيد أكبر للشرائح الشبابية. ومع مواجهة النضال من أجل "صفقة الآن" لتجاهل حكومة نتنياهو واليمين المتطرف، لجأ إلى تكتيكات مختلفة لتصعيد الضغوط، بل وضع على جدول الأعمال مطلبًا لرئيس الهستدروت العامة، أرنون بار-دافيد، الذي يكتفي بخطاب أجوف ومنافق، لقيادة إضراب عام في الاقتصاد، بما في ذلك مسيرات احتجاجية نحو مقر الهستدروت في تل أبيب. هذا التعرف الأولي على القوة المحتملة للطبقة العاملة المنظمة يستند أيضًا إلى تجربة الإضراب العام ومركزية فكرة سلاح الإضراب في الحركة ضد "الانقلاب القضائي". (نشير إلى أنه من المفهوم أنه رغم أن العاملين والعاملات الفلسطينيين داخل الخط الأخضر مروا بعملية مماثلة من ارتفاع نسبي لفكرة سلاح الإضراب خلال السنوات الأخيرة، والذي تُرجم في ذروته إلى "إضراب الكرامة" القوي في أيار 2021، إلا أن النهج اليميني لقيادة الهستدروت العامة، التي تدعم الحرب، يُنفر من الفكرة نظرًا لأن الإضراب العام في الاقتصاد الإسرائيلي لن يُسخر من البداية ضد القمع الوطني للفلسطينيين). هذا جزء من اتجاه دولي تجلى خلال العقد الماضي أيضًا في المجتمع الإسرائيلي من خلال مبادرات لـ"إضرابات مدنية" ضمن حركات مكافحة التمييز والقمع. أما الآن، فيما يتعلق بالدفع لإضراب عام في الاقتصاد، فإننا نتحدث عن حركة أكثر تطورًا حتى من الحركة الإسرائيلية التاريخية ضد حرب لبنان الأولى. صحيح أن حركة الاحتجاج الإسرائيلية الحالية، باستثناء الجناح اليساري المحدود، لا تعارض بشكل قاطع الحرب والقمع الوطني للفلسطينيين، وهي محدودة في أبعادها، وهذا يعد شهادة على عمق تأثير الديماغوجية الأمنية الرجعية التي تقف في قلب دعاية الحرب، إلا أنه بالرغم من ذلك، كما أشرنا، فإن الأصوات المعارضة للحرب داخلها تشهد توسعًا هامًا."

حتى في بداية عام 2023، قوبل بار دافيد والبيروقراطية اليمينية في الهستدروت بضغوط "من الأسفل" للتسريع بالاستفادة من قوة العمل المنظمة، وخصوصًا الدعوات للإضراب العام، لوقف خطط الحكومة. في ذلك الوقت، استجابت البيروقراطية اليمينية في الاتحاد أخيرًا تحت ضغط من قوى المال التي كانت يائسة بما يكفي للمخاطرة بشكل استثنائي (وربما على المدى الطويل بشكل خطير بالنسبة لهم، على الرغم من تعاون قيادة الاتحاد الحالية) بمحاولة استخدام الإضراب العام كأداة سياسية ضد الحكومة.

ومع ذلك، فإن حجم الاحتجاجات الآن لا يزال محدودًا بسبب الأزمة الدموية، وقوى المال تتجنب المخاطرة بإجراءات مماثلة. وبالتالي، يملك بار دافيد، "ديكتاتور" الهستدروت، المزيد من الحرية لتجنب خطوات نضالية حقيقية. يمكنه الاكتفاء بـ"توفير الموارد" اللوجستية لدعم أنشطة عائلات المختطفين، بينما يوضح، حتى في اجتماع مجلس الهستدروت في أوائل آب، أن القيادة برئاسته لا تنوي أن تقود أي إضراب عام، سواء من أجل "صفقة" أو لأي سبب آخر.

في محاولة لتجاوز العرقلة التي تضعها البيروقراطية اليمينية في الهستدروت، تم الإعلان عن أيام "إضراب مدني"، على أساس الاستجابة الفردية لوقف العمل، وفقًا لنموذج بداية عام 2023، ولكن دون زخم مماثل. تدخلات تنظيمات الاحتجاج من بعض خدمات الرعاية الاجتماعية على غرار 'الأرواب البيضاء'، على الرغم من ضعفها المتوقع في هذه المرحلة بسبب صدى الدعاية الرسمية الوطنية، يمكن أن تلعب دورًا في تعزيز الضغط على البيروقراطيات في النقابات المهنية والاتحادات. حتى 'الهيئة الطبية'، التي يبدو أن بيروقراطيتها اليمينية تتعاون مع تشغيل منشأة التعذيب في سديه تيمان، وجدت نفسها مضطرة لتهديد بخطوات تنظيمية ردًا على العنف الشرطي ضد الطواقم الطبية في المظاهرات ضد الحكومة. تجاوز العرقلة التي يضعها بار دافيد ليس بالأمر السهل، لكنه ضروري لبناء الزخم. يشمل ذلك تجنيد النقابات بشكل فردي، وكذلك لجان العمال والعاملات، وتعزيز جدول أعمال يهدف إلى مواجهة الحرب، من أجل إعادة المختطفين والأسرى، لإعادة الإعمار الواسعة في غزة وفي المجتمعات المتضررة عمومًا، وللرعاية الاجتماعية للجميع، ومكافحة غلاء المعيشة — بما في ذلك نية الحكومة لرفع ضريبة القيمة المضافة في كانون الثاني بغرض تمويل الحرب. بهذه الطريقة، يمكن المساهمة في حشد جزء من طبقة العمال والموظفين الذين لا يشاركون حاليًا في المظاهرات، وتعزيز تحرك نحو خطوات تصعيدية وإضرابات كلما استدعت الحاجة.

لا يتبنى اليسار الطبقي الاشتراكي شعار "اتفاق سياسي" على الرغم من فهمه لروح الكثير من المتظاهرات والمتظاهرين الذين يدعمونها، لأنه يثير الارتباك. أولاً، يجب أن تكون المطالبة بوقف الهجوم الإسرائيلي على غزة وعلى المستوى الإقليمي غير مشروطة، وموازية وليست خاضعة لمطلب "الكل مقابل الكل". ثانياً، سيكون من الوهم الاعتقاد أن المحادثات بين القوة المحتلة وبين السلطة الفلسطينية، التي تقمع الاحتجاجات ضد الحرب، هي المفتاح للخروج من الأزمة. المفتاح ليس في إقناعهم بضرورة اتفاق بينهم، بل في بناء نضال واضح وحازم لإنهاء الحرب، والحصار والاحتلال، والفظائع الجماعية المرتكبة في غزة والأزمات الجماعية على الجانبين؛ نضال يطالب بإعادة إعمار واسعة في غزة وفي جميع المجتمعات المتضررة على حساب أصحاب الثروات في إسرائيل، وفي المنطقة، وفي الدول التي قدمت دعمًا للهجوم الإبادي؛ نضال يندمج في المعركة ضد حكم رأس المال الإسرائيلي ولتغيير اشتراكي في المنطقة، بهدف تحقيق نهاية مطلقة لجميع أشكال القمع القومي وضمان حق متساو للعيش، وتقرير المصير، وحياة الرفاهية، والأمن الشخصي.

اتحاد "العمل" و"ميرتس" في إطار حزب "الديمقراطيين" ليس أكثر من ضجة زائفة من الأحزاب المؤسسية في المعسكر المعارض لنتنياهو، الذي يقدم نسخة من سياسة مركزية ليبرالية-قومية، مؤيدة للرأسمالية، تحت غلاف رقيق من التظاهر بـ"الرفاهية" الذي يهدف إلى خداع وجذب دعم الفئات في المجتمع اليهودي التي تشعر بخيبة أمل من أحزاب "اليمين-الوسط". أعرب رئيس حزب "الديمقراطيين" يائير جولان، نائب رئيس الأركان السابق، عن تأييده الحازم للهجوم العسكري على غزة والذي يدعو الآن ظاهريًا إلى وقفه، أشاد بالعمليات التي نفذها حكم اليمين الإسرائيلي ويعزز بألفاظ مموهة سياسة التفوق اليهودي. ليس مصادفة، في التصويت الإعلاني في الكنيست في 17 تموز والذي ينكر إقامة دولة فلسطينية، صوت غانتس لصالح موقف الحكومة، بينما لم يعارض لبيد و"الديمقراطيون" بل امتنعوا عن المشاركة في التصويت — سلوك نمطي للقوى التي كانت جزءًا من حكومة الاحتلال الرأسمالية السابقة، التي مهدت الطريق لنتنياهو وبن غفير. يجب أن تكون تجربة حكومة "التغيير" بمثابة علامة تحذير من الأوهام في اختيار "الأقلّ شرًا" الذي يعتمد على قوى مؤسسية تسعى لتثبيت وليس استبدال نفس النظام الرأسمالي الذي خلق الأزمة الدموية والأزمات الكبرى الأخرى.

تدعو حركة النضال الاشتراكي إلى تعزيز وبناء النضال الدولي للناس العاديين لوقف حمام الدم، ودفع خطوات الاحتجاج والإضراب، وتعزيز التضامن في أماكن العمل والنقابات ضد التحريض القومي وسياسة "فرّق تسد"، وضد الاستغلال والقمع، دون أوهام حول القوى المؤسسية الرأسمالية والدول الإمبريالية مهما كانت.

كقوة اشتراكية، أممية، طبقية، نشارك في المظاهرات ضد الحرب والاحتلال، وفي المظاهرات التي تدعو إلى "صفقة الآن" و"انتخابات الآن" حول نداءات وقف الحرب والنضال ضد سلطة المال والاحتلال. كيسار طبقي ماركسي، هدفنا هو التدخل بطريقة تسهم في توضيح الاستنتاجات حول التقدم في النضال، والمطالب الضرورية، بما في ذلك حل المشكلات من جذورها النظامية، وبطريقة تأخذ بعين الاعتبار أيضًا التحديات المتمثلة في الحاجة إلى التوجه إلى خارج المظاهرات، إلى شرائح واسعة من الشباب والعاملات والعاملين من جميع الخلفيات الوطنية والعرقية.

ندعو إلى تعزيز الخطوات لبناء بديل سياسي طبقي، دولي، ونضالي من اليسار، على شكل أحزاب نضالية واسعة على جانبي الخط الأخضر، تسعى للتعاون فيما بينها في النضال ضد حكم رأس المال والاحتلال الإسرائيلي. في المناطق داخل الخط الأخضر، من الضروري تعزيز حزب نضالي واسع وعابر للشرائح الوطنية في صفوف الطبقة العاملة، ليس على أساس شعارات غامضة على شاكلة "تغيير"، "ديمقراطية"، و"سلام"، بل على أساس برنامج يعارض بشدة جميع أشكال القمع الوطني وكل الهجمات على العمال، ويدعو إلى تغيير اشتراكي — بما في ذلك ملكية عامة وسيطرة ديمقراطية من قبل الطبقة العاملة على موارد المنطقة لصالح إعادة الإعمار، القضاء على الفقر، وضمان حياة كريمة وأمن شخصي للجميع. هذا، في مواجهة السياسة القومية الرأسمالية التي تحمي نظم القمع ونظام كامل من عدم المساواة والأزمات المتعددة، التي ولدت المجزرة التاريخية الحالية. ندعو كل من يتفق مع المبادئ الأساسية للتحليل الذي قدمناه هنا للمشاركة في النقاش معنا، العمل معنا، والانضمام إلينا.

مظاهرة يوم الأرض، دير حنا، 30.3 (تصوير: نضال اشتراكي)
كنت قد تكون مهتمة ايضا...
انضمّوا إلينا!
نحن بحاجة ماسّة لأن نناضل في سبيل التغيير، في وجه حكومة عنصرية، في وجه الاحتلال والمنظومة الرأسمالية المستمرّة في انتهاج سياستها الأوليچاركية (حكم الأقلية) الفاسدة، اللامساواة، التمييز، شنّ الحروبات وتدمير ما حولها. نضال اشتراكي هي حركةٌ مكافِحة، حركة الأفكار النَّشِطة، ذات سِجِلٍّ حافلٍ في المشارَكة ولها شُركاء من جميع أنحاء العالم، تطرح في أجندتها بديلًا حقيقيًا للتغيير الإشتراكيّ. هيّا انضمّوا إلينا!

حركة نضال اشتراكي
حركة نضال اشتراكي
ص.ب 125, تل أبيب–يافا 6100101
[email protected]
054.548.13.78 | 054.818.44.61
نضال اشتراكي هي حركة اشتراكية تناضل من أجل مجتمع اشتراكي وديمقراطي يقوم على العدالة الاجتماعية والسلام والمساواة.
هذه الحركة شريكة في البديل الاشتراكي الأممي (ISA)، وهي منظمة إشتراكية دولية توحد حركات وأحزاب إشتراكية في عشرات البلدان في جميع أنحاء العالم.