تحليل ماركسي — أزمة دموية تاريخية لنوقف العدوان الانتقامي وحمام الدم في غزة، لنناضل ونطرح بديل لنظام الكارثة والحصار والفقر ![]() نازحين فلسطينيين بالطريق إلى جنوب القطاع (محمد زعنون، أكتيفستيلس) تقرير سياسي للاجتماع القطري لحركة نضال اشتراكي — 24 تشرين الثاني 2023 683
إثر ما نوقش واعتُمد في اجتماع قطري طارئ لحركة نضال اشتراكي في 24 تشرين الثاني، تم استحضار نسخة أقدم كمساهمة في النقاش من قبل الأعضاء في السكرتارية القطرية في 10 من تشرين الثاني. حيث تم تنقيح هذه النسخة والتعديل عليها ونشرها كمسوّدة في الموقع في 17 من تشرين الثاني. * * *حركة نضال اشتراكي تطأطئ رأسها حدادًا وغضبًا، وتقف متضامنةً مع عوام النّاس من جميع القوميات على جانبيّ الجدار والذين يواجهون أبعادًا غير مسبوقة للحزن والدمار. فأعداد مهولة من الرُضّع والأطفال لقوا حتفهم، عائلات تمت إزالتها ومجتمعات تدمّرت ويواجهون القلق في خضمّ الفظائع المستمرّة، وعلى رأسها حمّام الدماء تحت الجحيم في قطاع غزّة، والخوف على سلامة المخطوفين والمخطوفات. [تحديث، 26/11] بعد رفض مستمر وعلى الرغم من معارضة وزراء من اليمين المتطرف، وافقت حكومة إسرائيل أخيرًا على صفقة تبادل رهائن وأسرى، والتي تتضمن موافقة على "هدنة" لعدة أيام وإطلاق سراح عشرات النساء والأطفال والمراهقين، من السجون الإسرائيلية ومن محتجَزي حماس. بالإضافة إلى ذلك، يتم إطلاق سراح العمال المهاجرين من تايلاند والفلبين من الأسر على الرغم من أن حكومة إسرائيل لم تطلب ذلك. لقد نجحت الضغوط المتزايدة على حكومة إسرائيل بما في ذلك تأثير موجة الاحتجاجات العالمية والإقليمية ضد الهجوم الإسرائيلي على غزة، والمظاهرات التي تقودها عائلات المختطَفين في إسرائيل، في تحقيق لحظة واحدة من الراحة بعد أسابيع من القتل غير المسبوق. لكن حكومة نتنياهو– غانتس– بين غفير مستمرّة في رفض فكرة وقف إطلاق النار الدائم وتبادل الأسرى الشامل، وتهدّد —وفق تصريحات الوزير غالنت — بهجوم عالي الكثافة لن يستمر أقل من شهرين في الشتاء القادم، تعقبها سلسلة من "العمليات العسكرية". إنّنا ندعو كما فعلنا من أوّل لحظة، إلى النضال بكلّ عزم وفي كلّ مكان لصالح وقف إطلاق النار الفوري والدائم، وقف الهجوم الانتقامي، بما في ذلك إخراج جميع قوات الجيش الإسرائيلي من قطاع غزّة، ومن أجل تحرير "الكل مقابل الكل". ضد حكومة نتنياهو التي تتحمل المسؤولية المباشرة في الأزمة، ضد النخب الحاكمة التي أبقت الأمور على حالها، ومن أجل حل جذري. إنّ حرب الانتقام التي تقودها حكومة نتنياهو—غانتس—بن غفير بذريعة 'الأمن' من خلال استغلال صدمة المجزرة التي نفذتها حماس وتعزيز موجة رجعية عنصرية-قومية في المجتمع الإسرائيلي، لم يكن هدفها ولن تستطيع فعلا أن تحقق مستقبل أكثر أمانًا لعوام الإسرائيليين واليهود، ومن المؤكد كذلك أنه لا يمكن تحقيقه نتيجةً الفاجعة الجماعية للفلسطينيين. إنّ الأزمة الحربية التي اندلعت في السابع من أكتوبر، والتي تعتبر الأكثر فتكاً بين دولة إسرائيل والفلسطينيين منذ عام 1948، تمثل لائحة اتّهام خطيرة تاريخية ضد منظومة كاملة. إنها تكشف بشكل مروّع التناقضات في أساسيات أساطير "التطبيع"، "إدارة النزاع" و "الأمن" التي زرعتها الطبقة الحاكمة الإسرائيلية. إنّ جذور أزمة الدماء تكمن في الحصار، في الاحتلال والقمع القومي الشديد المفروض على ملايين الفلسطينيين على يد الرأسمالية الإسرائيلية، ذات القوة العسكرية الأقوى في المنطقة بالدعم الكامل من الإمبريالية الأمريكية والغربية، وبالتعاون مع الأنظمة في المنطقة. يتطلّب الأمر نضالًا موجَّهًا لمعالجة جذور المشكلة.
موجة احتجاجية عابرة للحدودانتشرت أصداء الأزمة الدموية في جميع أنحاء العالم. نُظمت مظاهرات حاشدة غاضبة —بلغ عدد بعضها مئات الآلاف— في سلسلة من الدول من الأردن مروراً بالعراق وتركيا والمغرب إلى بريطانيا بهدف وقف حمام الدمّ في قطاع غزّة. الحراك الجماهيري هو مصدر أمل وعامل حيوي في ممارسة الضغط الحقيقي لوقف النار،،وهذا السبب وراء جعل بعض الحكومات الرأسمالية تتخذ إجراءات اضطهاد وقمع ضد أنشطة الاحتجاج، التي تقف حائلًا دون الدعم "الغربي" للهجوم على غزة. منذ الأيام الأولى دعت نقابات العمال والنقابات المهنية الفلسطينية حركة العمال والعاملات الدولية إلى اتخاذ موقف ضد الهجوم بل والتدخل بشكل فعلي لوقف تدفق الأسلحة إلى إسرائيل، كما دعت إلى اتخاذ إجراءات ضدّ الشركات الكبرى المساهِمة بأي شكلٍ كان على تمكين العدوان والحصار على غزة (نُشرت الدعوة في الأساس في 16.10). تدعم حركة نضال اشتراكي الدعوة، كما تدعو إلى تعزيز الاحتجاجات لوقف إطلاق النار الفوري، بما فيها الاحتجاجات في المجتمع الإسرائيلي، وكذلك تدعو الحركة لوقف هجوم الانتقام. إضافةً إلى ذلك، فإن الحركة تدعو إلى تعزيز رفض الخدمة العسكرية كجزء من الاحتجاج ضد الحرب. كما وتحثّ الحركة النقابات الإسرائيلية على طرح واتخاذ موقف يعبر عن التضامن مع ضحايا عامة الناس من جميع القوميّات ومن كلا جانبي الجدار الفاصل ويدعو لوقف إطلاق النار. في ذات الوقت، ضُعف قوى اليسار في أنحاء العالم والتي لا يطرح معظمها وجهة النظر التضامنية الطبقية الدولية، مفسحةً مجالًا واسعًا لقفزة عالمية في الظواهر الرجعية من الإسلاموفوبيا، معاداة السامية، الاعتداءات القومية ضد العرب أو ضد الإسرائيليين أينما كانوا، بل ولأعمال الإرهاب الفردية. "البروباغندا" الحكومية الإسرائيلية تخلق غشاوةً من التحريض السام ضد موجة الاحتجاج المتخطي للحدود باعتبارها لا—ساميّة، أي اعتبارها تعبيرًا عن العنصرية ضد اليهود، وذلك من أجل تقويض الشرعية للتضامن الجماهيري مع ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الهجمات والقصف الإسرائيلي. هذا في الوقت الذي تزعم فيه حكومة "اليمين الكامل" الإسرائيلية أنها تمثل مصالح اليهود في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي يقتصر فقط على تغذية العوامل المعادية للسامية سياسيًا. الحكومة ذاتها تعمل بجِدّ على كم الأفواه وملاحقة عنيفة لأصوات المعارضة للحرب والاحتلال للعرب الفلسطينيين في الداخل خاصةً وعلى وجه العموم.
كارثة تاريخيةحاليًا، يجسد توازن القوى والاختلاف في حصيلة الضحايا لذاته عدم التكافؤ الحاد في حرب بين قوة إمبريالية إقليمية معززة اقتصاديًا وعسكريًا من قبل أكبر قوة عظمى في العالم، وبين فصائل —بغض النظر عن خصائصها السياسية— في حركة التحرير الوطني الفلسطينية التي تنمو في مواجهة قمع منهجي، وخصوصًا ملايين الفقراء الذين يعيشون الحياة اليومية تحت هجمات عسكرية منظمة والتي تسجل مستويات جديدة من البربرية. وفي الوقت نفسه، تتطور الحرب في سياق إقليمي، في نطاق محدود حتى الآن ولكن مع احتمال بالغ للاشتعال. لا تزال الاضطرابات في ذروتها، لذلك من المستحيل تقدير كامل العواقب. ولكن الأحداث تشير إلى مرحلة جديدة في الصراع الوطني التاريخي وفي عدم استقرار الرأسمالية الإسرائيلية، في حين أن ديناميكية "الحرب الباردة الجديدة" —التي هي بحد ذاتها نتاج لأزمة رأسمالية ممنهجة والتي دفعت بالعالم إلى عصر "الفوضى"— تثير وتزيد من أبعاد الكارثة. توضح حكومة نتنياهو الموسعة والجنرالات الإسرائيليون أنهم يعتزمون شن هجوم عسكري مستمر في مراحل على مدى شهور طويلة بل أكثر. تتسبّب آلية الحرب للرأسمالية الإسرائيلية –تحت جنون العظمة عقب حملة الدعم العدوانية لواشنطن ولمحور الإمبريالية الغربي — بمجزرة مروعة وغير مسبوقة في قطاع غزة المحاصر، وتهدّد بدفع المنطقة إلى حرب على نطاق أوسع. يسعى المطبّلون للنظام الإسرائيلي والذين يدافعون عن الهجوم باعتباره تعبيرًا عن "الحق في الدفاع عن النفس" إلى قلب الحقيقة رأسًا على عقب وإلى إخفاء علاقات القمع والعدوان الضخم الممنهج على ملايين الفلسطينيين، ومن خلال ذلك إخفاء ضحاياهم عن الأعيُن. نتيجةً لسياسة حكومة إسرائيل —والتي تواصل عملية تاريخية من القمع والعدوان الممنهج— تُعتبر هذه الأسابيع الأكثر دموية بالتاريخ بنسبة للسكان الفلسطينيين. فقد قُدِّر عدد القتلى الشامل في نهاية نوفمبر 2023 بحوالي 15 ألفًا. ومنذ بدء الهجوم الإسرائيلي يقدر العدد في قطاع غزة بأكثر من 12٬700 شخصًا. (في 19 نوفمبر 2023)، كان بين القتلى ما يقارب 26٪ من النساء و42٪ دون سن 18 عامًا. أي أنه بين القتلى ثمة آلاف (!) الأطفال والنساء والرضع. من المروع وفق تقديرات "مسؤول أمني إسرائيلي كبير" أن العدد في الحقيقة (في 5.11) كان قد بلغ الضعف. فآلاف الأشخاص مدفونون تحت الأنقاض منذ أسابيع طويلة ومعظمهم قد فارق الحياة. أعاق الإضرار البالغ بالمستشفيات بشكل كبير تتبع عدد القتلى، ولكن من المحتمل أن ترتفع الحصيلة الرسمية إلى أكثر من 20 ألفًا في وقت ليس ببعيد. وفقًا لبيانات الأمم المتحدة، تُعتبر وتيرة القتل هذه الأكثر استثنائية في القرن الحادي والعشرين، حيث أن الأطفال الذين قُتلوا في قطاع غزة في الهجوم الإسرائيلي أكثر من جميع مناطق المواجهات العسكرية الرئيسية في العالم مجتمعة خلال العام الماضي، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا (صحيفة نيويورك تايمز، 25 نوفمبر 2023). قُدّر عدد الجرحى بحوالي 30 ألفًا —لا يشمل المتعرضين لنوبات الهلع— إلى جانب الكثير ممن أصيبوا بإصابات خطيرة. صور الأعضاء الممزقة بين أنقاض المنازل، أقدام الأطفال الصغار التي قطعتها هجمات القصف الإسرائيلي، وسكان يحاولون بأيديهم العارية إنقاذ أقاربهم الذين يصرخون طلبًا للمساعدة من تحت أكوام من الشظايا الخرسانية، هي مجرد غيض من فيض الجحيم الذي يُحتجز ويحشر ويهان فيه البشر في قطاع غزة. يدفن العديد من القتلى في مقابر جماعية —وذلك غالبًا لصعوبة بالغة في التعرف عليهم— دون إمكانية إجراء مراسم التأبين لهم. انها من أبشع الجرائم ضد الانسانية. إنّ الهجوم الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزة —والذي من المفترض أن يهدف إلى "القضاء على حماس" أو "لإسقاط حكم حماس"، مصحوب باستغلال خبيث للمجزرة البشعة التي قادتها القوى الرجعية لحماس. تم تنفيذ هجوم حماس المفاجئ بدعوى كاذبة لعملية "مقاومة". ومع ذلك، فقد مكّنت توثيقات الاختراق المنظم للسياج الحدودي في سلسلة من النقاط حماس من عرض وترويج هجومها المفاجئ بالكامل للرأي العام الفلسطيني من منظور مختلف، فقد تم تقديم الهجوم كعملية مقاومة من نوع حرب العصابات ضد قوة تفرض حصاراً على السكان. لقد عزز الدمار والثكل الهائلان اللذان يسببهما الهجوم الإسرائيلي، والمعارك التي تجري على الأرض ضد الاقتحام العسكري هذا الانطباع لدى الكثيرين حتى الآن فيما يتعلق بأحداث 7 أكتوبر. ومع ذلك، فإنّ أساس الهجوم المفاجئ هو المجزرة المخطط لها والتي قُتل فيها ما يقارب ألف مدني ومدنية من الطبقة العاملة والطبقة الوسطى في إسرائيل، بما في ذلك رضع وأطفال كان —معظمهم من اليهود، ولكن أيضًا من العرب الفلسطينيين وكذلك عمال مهاجرون — في اليوم الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة للسكان الإسرائيليين. إنّ المجزرة التي نفذت في إطار غارات على عشرات البلدات الإسرائيلية، بما فيها "المدن النامية" الفقيرة سديروت وأوفاكيم، لم تستثني اليهود والعرب الذين عملوا أو تطوعوا في إطار فرق طبية وفرق إنقاذ والذين قدّموا استجابة أولية في الوقت الذي كانت فيه تعبئة واسعة للمساعدة من قبل المجتمع البدوي المضطهد والفقير في النقب الغربي على وجه الخصوص، والذي تضرر من المجزرة ومن إطلاق الصواريخ (إذ لم تكن البلدات البدوية محمية أصلًا). في ظل المذبحة، تضمن الهجوم أكبر عملية اختطاف على الإطلاق لمدنيين إسرائيليين. حيث كان من بين المختطفين اليهود والعرب والمهاجرين، وكذلك الرضع والأطفال وكبار السن. حملت المذبحة الجماعية في المواقع المختلفة طابعًا ساديًا للغاية وتضمنت —كما يتضح من الوثائق وتشريح الطب الشرعي (20.10)— نمط من أعمال التعذيب، حرق أناس مقيدين أحياء، ذبح أطفال ورضع، قطع حناجر، فصل رؤوس، وبتر أعضاء، عنف جنسي واغتصاب، بالإضافة إلى الإعدام الجماعي في حفلة الطبيعة. صدمة الجريمة هذه — التي لا يمكن حتى لحالة الحصار والقمع الوحشي تبريرها أو التقليل من خطورتها — وكذلك الخوف والإصابات الناجمة عن الإطلاق العشوائي للصواريخ تسعى "دعاية" النظام الإسرائيلي إلى حشد وتجنيد الدعم الدولي والشعبي للشعارات "الأمنية" الكاذبة المحيطة بالهجوم الإسرائيلي، بل وللقرار السياسي بإحداث القتل والدمار على نطاق واسع داخل حدود أكبر معسكر سَجن في العالم، الأمر الذي توعّد به نتنياهو بتحويل غزة إلى "حطام" (7.10). استغل نتنياهو حقيقة أن المجزرة التي ارتكبتها قوات حماس كانت عملاً داعشيًا إرهابياً مروعاً لإعادة تدوير المعادلة القديمة الزائفة التي تقول إن حماس هي داعش — وهي اختزال ديماغوجي يهدف إلى محو حالة القمع القومي الوحشي للفلسطينيين لتسهيل الترويج لحمام دماء وحشي ومرضي ذي أبعاد تاريخية ضد الفلسطينيين.
فظائع الهجوم الانتقامي في غزة وعناصر الإبادة الجماعيةلعب وزير حزب "عظمة يهودية" عميحاي الياهو مع فكرة إلقاء حكومته قنبلة نووية على سكان قطاع غزة (5.11)، وقد تبرأ نتنياهو وآخرون في حكومته بنفاق من هذه التصريحات. بالإضافة إلى التذكير بالخطر الذي يمثله السلاح النووي بأيدي أي دولة، فإنه تم بالفعل إلقاء قنابل على القطاع خلال الأسابيع الثلاثة الأولى (معظمها من نوع MK80 من إنتاج الولايات المتحدة) بقوة إجمالية تبلغ حوالي 18٬000 طن TNT ('الجزيرة'، 3.11) — ما يعادل قوة القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما، وبوتيرة مضاعفة بالمقارنة مع الهجوم على غزة في عام 2014 والتي استمرّت 50 يومًا وانتهت بحصيلة مماثلة. بالإضافة إلى ذلك، تم توثيق استخدام إسرائيل لقنابل الفسفور الأبيض والتي تسبب أضرار جسيمة للسكان (12.10). يستمر الاجتياح البري الذي بدأ في 27 تشرين الأول على نطاق واسع إذ تتواجد وللمرة الأولى منذ عام 1982 فرقة احتياطية كاملة من الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة إلى جانب القوات النظامية (8.11). تحولت المنطقة الشمالية من قطاع غزة –والتي كانت موطنا لأكثر من مليون نسمة– إلى أنقاض. وهي لا تزال هدفا لقصف مكثف لكونها محور المرحلة الحالية من الغزو البري للقوات العسكرية الإسرائيلية. يعتبر التهجير الجماعي لما يقرب من مليون ساكن من شمال قطاع غزة إلى جنوبه خطوة استراتيجية رئيسية من قبل النظام الإسرائيلي، والتي يُتوقع استمرارها لفترة زمنية طويلة. وفقًا للتقارير حتى الآن فإن نحو ثلث سكان شمالي القطاع ما زالوا يقيمون في المنطقة في قلب الجحيم. كما وشُرّد حوالي 1.5 مليون (!) شخص –وهم أغلبية سكان قطاع غزة– من منازلهم، وتضررت نحو ربع مليون وحدة سكنية منها نحو 50 ألفاً دُمّرت بالكامل(11.16). إن الدمار في شمالي القطاع وحده والذي يشمل أحياء دُمّرت بأكملها –حوالي نصف المباني تضررت أو تدمرت تمامًا (20.11) –. الأمر الذي سيتطلب إعادة إعمار ضخمة لسنوات حتى يتمكن جميع الناجين من العودة إلى أماكن سكنهم. كما أن هناك مخاوف من أن تعمل الحكومة الإسرائيلية على منع عودة السكان إلى أحياء في شمالي القطاع لفترة طويلة حتى بعد الحرب بل وربما لسنوات. في جنوبي القطاع يتكدس السكان في كثافة خانقة في الخيام والمباني العامة ومراكز الأونروا خاضعين لوطأة القصف واسع النطاق منذ بداية الحرب حتى وإن كان بكثافة أقل. وفي هذا السياق، تلقى سكان شرقي خان يونس مناشير من الجيش الإسرائيلي تهددهم بالإخلاء (16/11)، كما قُتل العشرات في قصف المدينة (18/11). ولم يسلم النازحون في جنوب قطاع غزة، حتى أولئك الذين في المنطقة التي عرفها المصطلح الأورويلي "بالمنطقة الإنسانية"، وفوق كل ذلك التضييق بالحصار الشديد، تدمير البنية التحتية وانعدام الماء، الغذاء والمساعدات الطبية (13.11). إن سياسة "الحصار الشامل" البربري التي تعود إلى العصور الوسطى -والتي تعتبر إجراءً مكملًا للقصف والاجتياح — تضيّق على 2.4 مليون شخص مع اتخاذ إجراءات لمنع المياه والغذاء والدواء والمعدات الطبية والوقود. ففي الأسبوعين الأولين، مُنع إدخال شاحنات الإمدادات إلى القطاع بشكل كامل عبر معبر رفح والذي تعرض للقصف كذلك، ولا يزال إدخال الشاحنات بكميّات شحيحة. أما النقص الحاد في الكهرباء والمياه في القطاع فهو على عهده منذ سنوات بسبب الحصار العسكري وقد بلغ حده الأقصى. حيث يضطر السكان في كثير من الأحيان إلى شرب المياه المالحة والملوثة من أجل البقاء (16.10). تفاقمت الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمستشفيات مع الاجتياح البري ومداهمة القوات العسكرية الإسرائيلية على مستشفى الشفاء ومستشفى الرنتيسي للأطفال. ومستشفياتٌ تنهار تحت وطأة القصف، سيل المصابين ونقص الوقود والمعدات. طواقم طبية ومرضى يصابون بل ويقتلون. 9 مستشفيات فقط من بين 35 مستشفى في القطاع لا تزال تعمل وبشكل جزئي فقط. وبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، فإن هناك نحو 50 ألف امرأة حامل في قطاع غزة وحوالي 180 ولادة يوميًا مع احتمالية وجود مضاعفات لدى حوالي 15٪ من الحالات والتي قد تتطلب تدخل جراحي. لكن النساء يضطررن إلى الولادة بين الأنقاض -في ظروف صحية سيئة — وتحت خطر الإصابة بالعدوى وزيادة المضاعفات. يحكم الهجوم الإسرائيلي على العديد من المرضى الذين تمكنوا بطريقة ما من الحصول على العلاج الطبي بالإعدام في غرف الطوارئ والرعاية. وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فقد توفي في مستشفى الشفاء في־11–16 من نوفمبر 40 مريضًا بينهم ثلاثة من الخدّج، وذلك عقب نقص الوقود أثناء محاصرة قوات الاحتلال للمستشفى (16 نوفمبر). القمامة تتراكم، السكان يقفون في طوابير لساعات من أجل الحصول على الخبز. كما وقد انقطعت خدمة الإنترنت والاتصالات الخلوية يوم 27 أكتوبر لمدة يوم ونصف مع بداية مرحلة الاجتياح البري شمالي القطاع، وكذلك أثناء قصف المباني السكنية القريبة من مدينة غزة (1.11). حيث كان السكان أثناء الهجوم في ظلام دامس، دون القدرة على تلقي معلومات عما يحدث أو التواصل مع أقاربهم أو طلب المساعدة من المحيطين ومن خدمات الإنقاذ المنهارة. إن حملة "الدعاية" المُعدة لحمام الدماء لا تتوانى عن تجريد السكان من إنسانيتهم والتقليل من شأن القتل الجماعي باعتباره "ضررًا عرضيًا"، وفبركة بصيغة بوتين حول الحرب ضد "النازية" واستخدام مبتذل ودنيء لذكرى المحرقة اليهودية -وخصوصًا من قبل مسؤولي الحكومة الإسرائيلية — مع تشابهات ديماغوجية فاضحة وصلت إلى حد ارتداء الوفد الإسرائيلي إلى الأمم المتحدة شارة صفراء (!). إن نداءات الجيش الإسرائيلي للسكان الفلسطينيين بالنزوح إلى الجنوب أو النزوح إجمالًا للنجاة بحياتهم، تمثل، كما ذكر، بشكل أساسي تحركًا استراتيجيًا محسوبًا للتهجير الجماعي، هذا إلى جانب الخوف السياسي من التبعات السياسية والجيواستراتيجية لسيناريوهات من شأنها أن تكشف بشكل أكثر صارخًا القتل الجماعي المتعمد. ومع ذلك، فإن التسبب في الدمار والقتل على نطاق غير مسبوق ليس بمحض الصدفة، بل هو قرار سياسي واضح لتحويل غزة إلى حطام من خلال أعمال تسوية الأحياء بالأرض وهدم المباني — وهي بالفعل أعمال إرهاب دولي. هذه هي "استراتيجية الضاحية" على المنشطات، مصممة لإظهار القوة وحرق الوعي، لنقل الرسالة أنّ "صاحب البيت قد جن جنونه". عزز عضو الكنيست يتسحاق كرويزر كلام الوزير إلياهو عن القنبلة الذرية وقال: "قطاع غزة يجب أن يُسوّى بالأرض، ولجميعهم حكم واحد وهو الموت… لا أبرياء في قطاع غزة". "(5.11). ليس فقط حزب "عظمة يهودية" هو من قدم هدفا سياسيا واضحا يتمثل في إبادة شعب. فقد دعت تلك التي استقالت في بداية الحرب من منصب وزيرة إعلام عضو الكنيست ديستال من الليكود، إلى "حذف غزة من وجه الأرض" (1.11)، وأصوات أخرى من حزبها، مثل عضو الكنيست غوتليب وعضو الكنيست فاتوري اللذان دعوا إلى "محو غزة" و"حرق غزة" (17.11). رغم أن هذه العوامل لا تقود إدارة الهجوم العسكري على غزة الآن، إلا أنها تؤكد أن ثمة نقاش علني بين الأحزاب الموجودة في الحكومة الإسرائيلية والذي يشمل جانبًا بطابع خطابيّ بل وطموحات إبادية. ومع ذلك، فإن الجناح "المؤسسي" كذلك يستخدم خطابًا يجعل سكان غزة والفلسطينيين عمومًا هدفًا للعقاب الجماعي على الأقل. وهكذا، وفقًا لرئيس دولة إسرائيل هرتسوغ، "هناك ثمة أمة بأكملها تتحمل المسؤولية، وإن الخطاب عن المواطنين غير المدركين أو غير المشاركين هو أمر خاطئ، خاطئ تمامًا" (16.10). وعندما صرّح وزير الدفاع غالانت عن "حصار شامل" وأوضح أنه يهدف إلى حرمان السكان من الكهرباء والغذاء والوقود، برر ذلك بالزعم "أننا نحارب حيوانات بشرية ونتصرف على هذا الأساس" (9.10). يحرص اليسار الماركسي على استخدام المصطلحات السياسية في محاولة للإشارة بدقة إلى الظواهر السياسية التاريخية أثناء تطورها. إننا نشارك دون تحفظ في النضال الفعّال لوقف حمام الدم التاريخي في غزة. فمع كل يوم يمر، ومع استمرار الاجتياح والقصف في القطاع، يتفاقم حجم الكارثة. دعا مسؤولون في الأمم المتحدة إلى وقف تصاعد الأزمة دون وصولها إلى إبادة جماعية (11.16). إن حكومة نتنياهو، التي تقود حمام الدم الآخذ في الازدياد في قطاع غزة، لم تتبنى حتى الآن مشروعًا هدفه السياسي هو "حل" القضية القومية مباشرة من خلال القتل الجماعي بهدف الإبادة المادية الممنهجة لأمة أو لأجزاء واسعة منها — وإن فكرة كهذه في حد ذاتها لا تحظى في هذه المرحلة بأساس دعم جماهيري في المجتمع الإسرائيلي، على الرغم من الموجة الرجعية القومية. ومع ذلك، رغم التدابير "الإنسانية" القليلة تواصل ذات الحكومة قتل وتدمير أبسط الظروف المعيشية لسكان غزة. إن الضرر البالغ واسع النطاق وغير المسبوق والذي لحق بالسكان في غزة هو جزء من خطة عمل تعمل عن عمد على فرض مجزرة وطنية جماهيرية ذات أبعاد تاريخية. وبهذا المعنى، وعلى غرار همجية العديد من الحروب الإمبريالية عبر التاريخ ضد الأمم المضطهدة، فإن الهجوم على غزة يحمل أيضًا بشكل صارخ عناصر إبادة جماعية، والتي تزداد قوة. وفي الأسابيع المقبلة قد تصل نسبة القتلى إلى 1٪ من سكان قطاع غزة، بل وقد تصل إلى أكثر من ذلك مع اتساع نطاق الاجتياح البري إلى الجنوب، واستمرار الدمار والقتل، خطر الانتشار الواسع للأمراض وخاصة في فصل الشتاء، وظواهر المجاعة والعطش الجماهيرية. إن العناصر المتطورة للإبادة الجماعية هي في حد ذاتها علامة تحذير ضد ظواهر رجعية أكثر كارثية في المستقبل، طالما ظلت يد الرأسمالية والإمبريالية والقمع القومي سليمة. دعا عضو الكنيست أرييل كيلنر ('الليكود') إلى "نكبة تطغى على نكبة 48" (8.10)، في أعقاب تحول عناصر اليمين الإسرائيلي القومي المتطرف في السنوات الأخيرة من إنكار النكبة الفلسطينية التاريخية للترويج العلني لسياسة من ذات القبيل. أي لتطهير عرقي ضخم لمنطقة ما. يدعو اليمين المتطرف مثل الوزير إلياهو، بشكل معلن إلى إعادة الاحتلال الإسرائيلي المباشر الدائم إلى قطاع غزة وإلى المشروع الاستيطاني الاستعماري، الذي يسعى في حد ذاته إلى تطهير عرقي زاحف. تم توثيق ضابط صغير وهو يعبر عن الأجندة المتعصبة لليمين المتطرف في خطاب أمام الجنود حيث قال إنه إذا "أبعد الضحايا الإسرائيليين عن الشاشة"، فإن الشهر الأول من الحرب سيكون "أسعد شهر في حياتي". لأنّ الحرب في الحقيقة، توفر قوة دافعة لرؤية رجعية للتفوق اليهودي كما ألمح، وذلك عبر التوسع الإقليمي لدولة إسرائيل، إلى "الأرض بأكملها، كلها، بما فيها غزة، لبنان، وكل الأرض الموعودة" (4.11). يقدّم عضو الكنيست زئيف إلكين (حزب "المعسكر الوطني") ما يبدو أنه نهجًا استراتيجيًا أكثر واقعية للنظام الإسرائيلي، وذلك بقوله: "لا أعرف مدى واقعية الحديث عن العودة إلى غوش قطيف، وإلى أي مدى ستلقى هذه الفكرة أغلبية في المجتمع الإسرائيلي"، لكنه كرر دعوة شريكه في الحزب الوزير جدعون ساعر إلى تقليص قطاع غزة المحاصر — الذي يعاني من واحدة من أعلى الكثافات السكانية على وجه الأرض — "عندما تنزع منهم أراضيهم، هذه هي اللغة التي يفهمونها" (26.10). قامت وزارة المخابرات برئاسة الوزيرة جيلا جمليئل ('الليكود') بصياغة وثيقة بتاريخ 13.10 تقترح النقل الجماعي لسكان قطاع غزة إلى شمال سيناء بشكل دائم كبديل مفضل للنظام الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن هذه توصية من وزارة صغيرة، إلا أنه وفقًا للتقارير، عزّز نتنياهو نفسه الحشد الدولي للضغط على النظام المصري من خلال اقتراح صفقة تتضمن شطب الديون المصرية للبنك الدولي (31 أكتوبر)، مقابل تمكين ترحيل أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين إلى سيناء. ويعد هذا تهديدًا بحدوث نكبة ثانية للسكان الذين يعود أصلهم إلى لاجئي نكبة عام 1948. ونظرًا لحجم الدمار في شمالي القطاع ومدينة غزة، فإن الضغط من أجل الترحيل الجماهيري والذي يُقلل عدد سكان القطاع سيستمر لفترة من الزمن، حتى بعد مرحلة وقف إطلاق النار.
الهجوم الانتقامي في الضفة الغربيةوبينما تركز الهجوم الانتقامي على قطاع غزة، حدث في الضفة الغربية تصعيد حاد في نطاق المداهمات القاتلة التي تشنها القوات العسكرية على التجمعات السكانية الفلسطينية وحجم الإصابات نتيجة العدوان المشترك للقوات العسكرية والعصابات المسلحة من مستوطني اليمين المتطرف. حيث قتل منذ 7 أكتوبر نحو 200 فلسطيني بينهم عشرات الأطفال وأيضًا ذوي الاحتياجات الخاصة بنيران القوات العسكرية والمستوطنين (16 نوفمبر). والأمر الذي ضاعف عدد الشهداء المسجل منذ بداية عام 2023 وحتى ذلك الحين، وهو يتراكم ليكون أعلى عدد شهداء في الضفة الغربية منذ عام 2002 (مجمع الإحصائيات بيتسيلم). لقد قامت حكومة نتنياهو — غانتس — بن غفير بتسليم آلاف الأسلحة إلى "قوات الدفاع الإقليمية" التابعة للمستوطنات (القوات المسلحة للمستوطنين والذين ليس من المفترض أن يغادروا المستوطنات). يستغل مستوطنو اليمين المتطرفون في المنطقة C، ضباب الحرب لإثبات الحقائق على الأرض وتنفيذ إجراءات لتسريع عملية التطهير العرقي الزاحفة، حيث تم بحلول نهاية شهر أكتوبر طرد أكثر من 13 تجمعًا فلسطينيًا و5 تجمعات سكانية تم تهجيرهم جزئيًا — حوالي 850 شخصًا. وفي العامين السابقين للحرب، تم تهجير 6 تجمعات سكانية يبلغ عدد سكانها حوالي 450 شخصًا. تحت ضغط من إدارة بايدن لدفع ضريبة كلامية، اضطر نتنياهو في اجتماع مع رؤساء سلطات الاستيطان، إلى إدانة "حفنة من الأشخاص الخارجين عن القانون"، ووعد بالعمل ضد تلك الحفنة، ولكن وفي نفس اليوم حرص على إصدار بيان زعم فيه أنه أبلغ بايدن بأن "الاتهامات ضد المستوطنات لا أساس لها من الصحة" (8.11). وبعيدًا عن محاولة نتنياهو لاسترضاء جزء من جمهور الناخبين، هناك في الأساس تقسيم فعلي للعمل بين قوات الدولة وقوات المستوطنين، حيث تقود سياسة الحكومة الإسرائيلية بشكل حاسم سلب وقمع السكان وتغذية عصابات اليمين المتطرف، في حين تتلقى الأخيرة في كثير من الأحيان مساعدة مباشرة من قوات الجيش، ولكنها تسمح للدولة بالتنصل من المسؤولية الرسمية. وتشمل المداهمات العسكرية في جميع أنحاء الضفة الغربية اعتقالات جماعية، حيث تم اعتقال حوالي 1700 مواطن حتى الآن (14.11). وليس من المستبعد أن تكون الاعتقالات الجماعية مقصودة أيضًا لاستخدامها "كأوراق مساومة" في المفاوضات حول صفقات إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. كشفت مقاطع فيديو مروعة وشهادات عن انتهاكات المعتقلين الفلسطينيين على يد الجنود والمستوطنين (أحيانًا كجنود بأنفسهم). فقد شملت إحدى الحالات إصابة بحرق السجائر واعتداء جنسي (19.10). ونقلت صحيفة "هآرتس" عن "مصدر حكومي كبير" قوله إن السلطات المحلية للمستوطنات في الضفة الغربية تسيطر بالفعل منذ بداية الحرب أيضًا على سلوك الجيش. في نفس الوقت، تم تنظيم مظاهرات تضامنية مع سكان غزة طوال الأسابيع القليلة الماضية في بعض المدن في أراضي السلطة الفلسطينية في جميع أنحاء الضفة الغربية والتي تواجه قمعًا شرطيًا شديدًا من حكومة السلطة الفلسطينية، بما في ذلك إطلاق النار الحي على المتظاهرين. تسلط موجة الاحتجاج العالمية والإقليمية الضوء على إمكانية حدوث انتفاضة ضد الاحتلال على نطاق أوسع، خاصة في الضفة الغربية، بهدف وقف الهجوم العسكري على الفلسطينيين ووقف حمام الدم في غزة. يشكل هذا الاتجاه -والذي ينبغي في حد ذاته أن يحظى بالتضامن الدولي — مصدر قلق للطبقة الحاكمة الإسرائيلية وحلفائها في جميع أنحاء المنطقة والعالم.
الضغوط الدوليةحذر رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة من أن تهجير السكان الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية سيعتبر من قبل المملكة "إعلان حرب" وأن "خيارات كلها مفتوحة" بعد عودة السفير الأردني (11.11). بالمقابل، يخشى الرئيس المصري السيسي العواقب ويرفض بشدة الضغوط لقبول اللاجئين الفلسطينيين. يعتبر النظام المصري شريك كامل في فرض الحصار العسكري على قطاع غزة على طول السنوات، فهو لم يتدخل الآن أيضا بشكل عملي ولم يهدد حتى بإلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل، ولكنه يتخوّف من آثار القضية الفلسطينية. إذا نُظر إليه على أنه مساعد فعال للعدوان الإسرائيلي، من الواضح له أن المظاهرات التضامنية التي نظمت في أنحاء مصر مع سكان غزة قادرة على الانقلاب ضده، بل وإشعال انتفاضة جماهيرية متجددة. إن الأنظمة التي تقوم بشكل رسمي أو غير رسمي بعلاقات استراتيجية مع إسرائيل، تحت رعاية الإمبريالية الأمريكية في المنطقة، تتعرض الآن إلى ضغوط متزايدة من موجة من المشاعر الجماهيرية الغاضبة ضد إسرائيل والولايات المتحدة، وتخشى من احتمالية كشفها كشريكة في الجريمة في مواجهة الصور المرعبة من غزة. ولذا اضطرت المملكة السعودية للإعلان عن تجميد محادثات التطبيع مع إسرائيل. أعادت الأردن والبحرين والإمارات سفرائها، وفي الأردن ألغيت القمة التي كان من المفترض أن تعقد بمشاركة بايدن خوفا من غضب شعبي واسع. وفي الوقت نفسه، فإن شاحنات المساعدات الهزيلة المرسلة إلى غزة برعاية الأردن أو مصر أو تركيا تهدف من وجهة نظر تلك الأنظمة إلى أن تكون بمثابة "غسل إنساني" للتستّر على عدم اتخاذ إجراءات فعلية لوقف العدوان الإسرائيلي فضلًا عن استمرار الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع الرأسمالية الإسرائيلية. انعقد اجتماع طارئ للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في 11 نوفمبر في الرياض، والذي شارك فيه الرئيس الإيراني رئيسي، الرئيس التركي أردوغان، جزار دمشق الأسد ورئيس السلطة الفلسطينية عباس كضيف رمزي. ومن الواضح أن حكام المنطقة يتعرضون للضغوط ويخشون من عواقب استمرار الأزمة واتساع نطاقها، ولا يستعجلون "بقطع الحبال"، ويأملون أن تتوصل القوى العالمية إلى اتفاق في "مجلس الأمن" التابع للأمم المتحدة بشأن الدعوة إلى وقف إطلاق النار. ويخشى معظمهم من الجماهير التي تتنفس أعناقهم، وكذلك من الضرر الذي يلحق بالمصالح الاقتصادية والجيواستراتيجية. إن الأنظمة القريبة استراتيجيًا من الإمبريالية الأمريكية على وجه الخصوص لديها ما تخسره، ووفقًا للتقارير، فقد تم نسف اتفاق على إجراءات رمزية مثل تجميد العلاقات مع إسرائيل واستخدام الأسلحة النفطية (11.11). وقد أثارت حقيقة عدم إسفار الاجتماع عن خطوات ملموسة سخط أسامة حمدان، عضو المكتب السياسي لحركة حماس المتمركز في لبنان (12.11). ومع ذلك، فإن نظام آيات الله في إيران يدرك جيدًا أن سيناريو الحرب الإقليمية واسعة النطاق لن يقتصر فقط على تصعيد التوترات بينه وبين نظيره السعودي فحسب، بل سيضيف إلى عدم استقراره أيضًا ضغوطًا عسكرية واقتصادية وسياسية أكثر تعقيدًا. في نفس اليوم وفي نفس توقيت انعقاد القمة، تحدث الأمين العام لحزب الله نصرالله ودعاها إلى "اعتماد موقف موحد يتطلب من الولايات المتحدة وضع حد لهذا العدوان وهذه الجرائم واتخاذ الإجراءات… كل الضغط يجب أن يتوجه إلى الأمريكيين" (11.11)، مما يوضح كيف أن استراتيجية حزبه للحد من الأزمة الدموية في غزة تعتمد في نهاية المطاف على قرارات القوى الإمبريالية العالمية، بعيدا تماما عن الاعتماد على نضال الجماهير في المنطقة. أُعتبرت القمة العربية-الإسلامية على أنها خطوة دعاية ومماطلة و"ممارسة ضغط" دبلوماسية، في انتظار استعداد إدارة بايدن لتأييد وقف إطلاق النار. في الأشهر الأخيرة التي سبقت الحرب، عملت إدارة بايدن على قيادة تحرك مضاد في المنطقة للنفوذ المتزايد للإمبريالية الصينية في شكل مشروع ممر البنية التحتية وصفقة "أمنية" مع الرياض، والتي كانت مقصودةً أيضًا لتشمل إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الاستراتيجية المتماسكة بين المملكة والرأسمالية الإسرائيلية. قطعت الحرب هذه الخطط وهي تهدد مستقبلها كلما استمرت. من المؤكد أن استراتيجيي الإمبريالية الأمريكية غير راضين أن تأييد واشنطن للقتل الجماعي في غزة يزيد من النفور الجماهير في المنطقة من الولايات المتحدة. على المستوى العالمي، هناك تقويض للصورة التي زرعتها الإمبريالية الأمريكية حول الحرب في أوكرانيا باعتبارها "المدافعة عن الديمقراطية" وكقوة "تحارب جرائم الحرب". ومع ذلك، فإن شبكة المصالح الجيواستراتيجية والسياسية تتطلب من إدارة بايدن التدخل بشكل حازم لدعم الهجوم العسكري الإسرائيلي من أجل محو أي فكرة ضعف أو فقدان السيطرة لدولة إسرائيل — موطئ القدم الأكثر استقرارًا للاستراتيجية الإمبريالية الأمريكية في المنطقة. إنهم يسعون إلى إظهار القوة من أجل إعادة فرض النفوذ الإقليمي وردع التدخل من الأطراف المتنافسة، بدءً من النظام الإيراني وحلفائه، وبهذا يرسلون رسالة إلى الأنظمة العربية ومن ثم إلى الصين وروسيا مفادها أن الأزمة ستُحسم في واشنطن. إنهم يهدفون إلى تحويل الأزمة إلى نقطة تحول تاريخية لإعادة تشديد النفوذ الإقليمي المخفف، وبهذا أيضًا تحذير للنظام الإسرائيلي من أن لا يبالغ، بل يُظهر قدر أكبر من المرونة في السعي إلى إعادة جني القضية الفلسطينية الذي يحفز الجماهير على التحرك إلى القمقم بقدر ما تسمح الظروف الجيوسياسية بذلك. وهذا ما ألمح إليه السيسي وعبد الله أيضًا في دعوتهما المتكررة الآن إلى "حل الدولتين" — في حين أنهما في الواقع يتعاونان مع استمرار الاحتلال وليس لديهما مصلحة في إقامة دولة فلسطينية مستقلة حقًا، والتي ستتحرر من سيطرة الرأسمالية الإسرائيلية ومن أنظمة المنطقة والقوى الإمبريالية العالمية. بالنسبة للإمبريالية الصينية والروسية، فإن الأزمة تشمل عوامل معقدة، على الرغم من أنها في المدى القصير تصرف الانتباه عن الحرب في أوكرانيا، وتضيف إلى الضغط على الولايات المتحدة لتحديد أولويات الموارد لصالح الهجوم الإسرائيلي، وتثير موجة من الغضب العالمي ضد الإمبريالية الأمريكية. من ناحية أخرى، فإن التدخل الأمريكي الحازم يشير إلى الحكومات العربية — على الرغم من الضغط الشعبي الذي تثيره ضد الإمبريالية الأمريكية — أنه على عكس الاتجاه في العقد الماضي، فإن واشنطن وليس بكين هي الراعي "الأمني" في المنطقة في مواجهة النظام الإيراني وحلفائه. تتضمن الأزمة عمليات أزمة اقتصادية وسياسية تقوض صفقات بكين في المنطقة، وبصفة خاصة، ستؤدي أي توسع كبير في الأزمة إلى تفاقم تناقضات المصالح بين الرياض وطهران، وستقوض اتفاق الانفراج الذي تم تشكيله برعاية الصين بهدف زيادة مشاركتها الإقليمية على حساب الولايات المتحدة. تعمل بكين وموسكو بتنسيق كامل حول الأزمة، على الرغم من اختلافات المصالح الثانوية. كلاهما يروج للخط البلاغي التقليدي للسعي إلى "السلام" و"حل الدولتين"، مع توجيه أصابع الاتهام إلى مسؤولية واشنطن عن الأزمة. يضاف إلى ذلك الجهود الرامية إلى استغلال الأزمة لتعزيز سمعة الصين وروسيا الزائفة في المنطقة وفي دول العالم الاستعماري الجديد كبديل للإمبريالية الغربية، ولهذا السبب تميل رسائلها إلى تجنب انتقاد حماس وتؤكد على انتقاد الهجوم الإسرائيلي. يسير أردوغان في تركيا، على الرغم من أنه كان في اتجاه تدفئة العلاقات مع إسرائيل في الفترة الأخيرة، مع هذه الحملة أمام التضامن الجماهيري مع السكان في غزة. نظم الكرملين لقاءً إعلاميًا بين ممثلي الحكومة الروسية والإيرانية وممثل المكتب السياسي لحركة حماس، الملياردير موسى أبو مرزوق، ظاهريًا لمساعدة في الإفراج عن 8 رهائن يحملون الجنسية الروسية، ولكن في الواقع أيضًا لإبراز أنه على عكس التدخل الأمريكي، فإن الراعي الروسي لا يقف إلى جانب مذبحة الفلسطينيين ويسعى ظاهريًا إلى حل الأزمة "بطرق سلمية". يسعى بوتين إلى الظهور بشكل مخادع — وفي الوقت الذي يواصل فيه الحرب الوحشية في أوكرانيا، حيث قُتل بالفعل حوالي 10000 مواطن أوكراني — كمدافع عن الفلسطينيين في سياق صراع القوى العالمية. وهكذا، وفقًا لكلمات بوتين، "يمكن مساعدة الفلسطينيين فقط من خلال القتال ضد أولئك الذين يقفون وراء هذا الصراع — ونحن نحاربهم في أوكرانيا"، و"النخب الحاكمة في الولايات المتحدة هي العامل الرئيسي الذي يستفيد من عدم الاستقرار العالمي. هم ومبعوثوهم يقفون وراء مذبحة الفلسطينيين ومن وراء الأحداث في الشرق الأوسط وأوكرانيا والعراق وسوريا" (30 أكتوبر). رداً على موقف الكرملين في الأزمة، امتنع سلاح الجو الإسرائيلي عن تحديث موسكو، من خلال آلية التنسيق بين الدولتين، عن بعض الهجمات في أراضي سوريا ضد القوات الإيرانية وحلفائها (3 نوفمبر)، ومنحت الضوء الأخضر لزيارة زيلينسكي المخطط لها لإسرائيل. خلال زيارة بوتين لبكين في 17 أكتوبر، أعلنت الحكومة الروسية أنها خلافًا للاتحاد الأوروبي لن تلتزم بعد الآن بتجنب ت صدير تكنولوجيا الصواريخ لإيران، وذلك بعد انتهاء العقوبات التي فرضتها مجلس الأمن الدولي في هذا الصدد (18 أكتوبر). ومع ذلك، ليس لدى الكرملين مصلحة في تأجيج الصراع بشكل كبير في المنطقة، إذا انتشر سيفرض ثمنًا اقتصاديًا وقد يؤدي أيضًا إلى تعقيدات عسكرية لروسيا وحلفائها. كجزء من حملة دعم الإمبريالية الغربية للهجوم الإسرائيلي، تم تنظيم سلسلة من زيارات التعاطف الإعلامية من جانب بايدن وممثلي دول رأسمالية من "الغرب"، وحكومة بايدن أرسلت إلى المنطقة حاملتي طائرات، غواصة نووية، سفن حربية، قوة من 2000 جندي مشاة البحرية — وفي الأيام الأولى تم نقل شحنات أسلحة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل، بما في ذلك تسليح لطائرات الهجوم. وهكذا، تم أيضًا إقرار 14.3 مليار دولار في مجلس النواب الأمريكي (وينتظر موافقة مجلس الشيوخ) منحة لاحتياجات إسرائيل العسكرية. وذلك كجزء من وعد بايدن بحزمة ضخمة مجتمعة بقيمة 106 مليار دولار لتمويل احتياجات "أمنية" مختلفة، بما في ذلك استمرار تسليح أوكرانيا وتايوان، حيث سيتم توجيه نصف المبلغ فعليًا إلى دعم صناعة الأسلحة الأمريكية (20 أكتوبر).
خطر اتساع المواجهة العسكريةلواشنطن مصالح متضاربة في الأزمة الآخذة بالتطور، وكنتيجة لذلك، لها سياسة متناقضة كذلك. وبينما عملت حملة دعم حكومة بايدن ومعسكر الإمبريالية الغربية للنظام الإسرائيلي على تأجيج الهجوم العسكري ضد الجماهير الفلسطينية، إلا أن رافقتها دموع التماسيح على أوضاع المدنيين في قطاع غزة وزيادة الضغط تدريجيا على الحكومة الإسرائيلية لضبط الحملة العسكرية جزئيًا. ليس هناك أي مصلحة للإمبريالية الغربية في توسيع جذري للصراع العسكري في المنطقة، الأمر الذي قد يستلزم تدخلاً عسكريًا مباشرًا من قبل الولايات المتحدة وقد يؤدي إلى تكثيف موجة الاحتجاجات الجماهيرية في العالم. بالنسبة لبايدن والحزب الديمقراطي، فإن الوقوف إلى جانب الهجوم الإسرائيلي يعني خسارة الدعم في السباق الرئاسي ضد ترامب. خلال زيارته لإسرائيل، في 18 أكتوبر/تشرين الأول، شارك بايدن في اجتماع "مجلس وزراء الحرب" الإسرائيلي، برسالة مزدوجة علنية تتمثل في الدعم مع ضغط خفيف لضبط النفس العسكري. وكرّر في خطابه التشابه بين هجوم حماس المفاجئ وهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وتخطى نتنياهو ليحذّر إسرائيل من المغامرات العسكرية من النوع الذي مارسته الإمبريالية الأمريكية في ذلك الوقت مع الاحتلال الدموي الكارثي في أفغانستان والعراق، الأمر الذي شكل هزيمة تاريخية لقوات الاحتلال. وضعف نفوذ واشنطن الإقليمي مع زعزعة النظام الإقليمي. لقد عاد نظام الطالبان الذي انهار في غزو أفغانستان عام 2001. لقد كان نتنياهو أحد الأصوات في النظام الإسرائيلي الذي دعم في الأصل الاحتلالات و"الحرب العالمية على الإرهاب" التي قادتها حكومة بوش الابن، وهو يردد الخطاب المناهض لـ"محور الشر" في التوصيف الديماغوجي الخسيس لغزة باعتبارها "مدينة الشر"، كمبرر أيديولوجي للمذبحة فيها. إن حدة التوترات بين الكتل الإمبريالية في النظام العالمي حول الأزمة لا تزال معتدلة مقارنة بحرب 1973، التي شكلت الإمبريالية الأمريكية نتائجها الإقليمية حسب إرادتها، بما في ذلك من خلال شحنات الأسلحة ورفع حالة التأهب النووي لردع الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت. ومع ذلك، فإن التوسع الجذري للصراع العسكري في المنطقة سيضع المصالح الجيوستراتيجية للقوى العالمية على المحك بشكل أكثر حدة، وسيزيد من التوترات والاحتكاكات المحتملة وقد يورّط كل طرف من الأطراف في حملة عسكرية طويلة الأمد، على غرار الحرب في أوكرانيا. لا توجد قوة عالمية أو إقليمية لديها مصلحة في مثل هذا السيناريو، ويتخذ كل جانب تدابير تقييدية وإجراءات تحاول الحفاظ على التوازن، ولكن هناك عملية واضحة للتوسع الإقليمي، مهما كانت مقيدة في الوقت الحالي، فقد رافقت الأزمة منذ بدايتها، ولها منطق داخلي لولبي عنيد قد يؤدي إلى تصعيد كبير في المنطقة. وهاجمت الميليشيات الموالية لإيران القوات العسكرية الأمريكية في سوريا والعراق بشدة طفيفة، ولكن بشكل متكرر منذ بداية الأزمة، مما أدى إلى قطع وقف إطلاق النار الفعلي بين القوات لعدة أشهر بينما أجرت واشنطن مفاوضات غير مباشرة بشأن صفقات عينيّة مع طهران. وردًا على ذلك، قصفت الطائرات الأمريكية مستودعات ذخيرة تابعة للحرس الثوري الإيراني شرقي سوريا. وفي البحر الأحمر، اعترضت القوات البحرية الأمريكية صواريخ جوالة وطائرات بدون طيار زُعم أن قوات الحوثيين أطلقتها من اليمن على السفن الإسرائيلية. ولاحقًا، في 31.10، نفذ الحوثيون عملية إطلاق سابقة لصاروخ بالستي إيراني الصنع من اليمن إلى جنوب إسرائيل — ربما يكون أطول مدى إطلاق أرضي تشغيلي على الإطلاق — والذي اعترضه نظام "السهم" الإسرائيلي. على الرغم من القدرة العسكرية المحدودة للحوثيين، الذين أصابت بعض قذائفهم طابا وجنوب الأردن، كانت هذه خطوة أخرى نحو سيناريو اندلاع حريق إقليمي واسع النطاق (2.11). ونظام آيات الله الإيراني هو الراعي الرئيسي لحماس، وخاصة الجناح العسكري، حيث يقدم الدعم المالي والتكنولوجي والمساعدة في التدريب العسكري. ونفى الوفد الإيراني لدى الأمم المتحدة ما ورد في صحيفة وول ستريت جورنال حول مشاركته النشط في التخطيط للهجوم المفاجئ الذي نفذته حماس، بما في ذلك سلسلة اجتماعات في بيروت خلال الشهرين السابقين للحدث، بمشاركة نصرالله وقائد فيلق القدس التابع لحرس النظام الإيراني (8.10). بمعنى آخر، تفضل طهران تجنب التورط في حرب شاملة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل الآن، كما ألمحت زيارة ابراهيم رئيسي للرياض أيضًا. في الواقع، تشعر كل من حكومة بايدن وحتى حكومة نتنياهو بالحاجة إلى الادعاء بأنه ليس لديهم أي دليل على مشاركة طهران المباشرة في التخطيط للهجوم — وهذه إشارة إلى أن واشنطن والنظام الإسرائيلي ليس لديهما مصلحة في هذه المرحلة في "ذريعة الحرب" المباشرة ضد إيران، على الرغم من أن ديناميات الأزمة قد تغير ذلك من وجهة نظر حكومة نتنياهو وتجر في نهاية المطاف الولايات المتحدة كذلك. عكس خطاب نصر الله الأول في 3 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد نحو شهر من الصمت وسط تصاعد التوترات على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، امتناع حزب الله وداعميه في طهران عن الانخراط في صراع عسكري واسع النطاق مع إسرائيل، على الرغم من المصلحة السياسية في تصويرها على أنها قوة التدخل المفترضة للدفاع عن غزة والفلسطينيين ضد العدوان الإسرائيلي. بين الجمهور اللبناني، وعلى مستوى مختلف الطوائف، لا تحظى الفكرة بشعبية خاصة — بحسب استطلاع لـ«الأخبار»، في حين أن نحو نصف السكان يدعمون القتال المحدود على طول الحدود مع إسرائيل، 32٪ فقط يؤيدون فتح جبهة كاملة مع إسرائيل (30.10). على الرغم من ذلك، فإن المعارك على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، كانت منخفضة الشدة حتى الآن، على غرار حرب الاستنزاف بين قوات حزب الله والميليشيات الفلسطينية في الأراضي اللبنانية والقوات العسكرية الإسرائيلية، والتي تلحق الضرر بالسكان المدنيين، هي بالفعل الأكثر شراسة منذ حرب لبنان الثانية عام 2006. وقُتل العشرات، بينهم عدد من المدنيين (بما في ذلك الأطفال) في الأراضي اللبنانية، ومدنيّان عاملان في الأراضي الإسرائيلية. وآلاف من المدنيين على جانبي الحدود، إما فرّوا أو تم إخلائهم. وبعد أن منعت الخلافات بين الولايات المتحدة والصين وروسيا في "مجلس الأمن" التابع للأمم المتحدة إصدار قرار معلن مشترك، ولا سيما بسبب معارضة الولايات المتحدة للدعوة إلى وقف إطلاق النار، ظلت الولايات المتحدة وإسرائيل في عزلة شبه كاملة في التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 أكتوبر/تشرين الأول، والذي اعتمد القرار المقترح تحت رعاية الأردن وتركيا، يدعو إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار مع إدانة "العنف الموجه ضد المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما في ذلك جميع أعمال الإرهاب والهجمات العشوائية". وبطبيعة الحال، تعمل بكين وموسكو وأنقرة على حماية مصالحها وسلطتها. ورغم أن حكومة بايدن تعارض وقف إطلاق النار وتكتفي بالمطالبة بـ"توقف مؤقت" لما يسمى بالاحتياجات "الإنسانية" (صيغة مغسولة للدعم وتوريد الأسلحة لمواصلة المذبحة)، بين واشنطن وحكومة نتنياهو الموسعة هناك توتر طفيف ولكنه متزايد حول إدارة الهجوم العسكري الإسرائيلي. تحت الضغط المتزايد للاحتجاجات الجماهيرية، يتآكل زخم حملة الدعم التي تشنها الإمبريالية الغربية لمذبحة غزة. إلا أن النظام الإسرائيلي مصمم على السعي عسكرياً إلى "صورة النصر" ضد حماس.
مركزية القضية الفلسطينية في المنطقةلقد عادت القضية الفلسطينية بكل قوة إلى جدول الأعمال على المستوى العالمي، كنقطة محورية للجماهير في تحدي القمع وضد الإمبريالية، وهي تحفز التحرّك، بل وتحث على تجذّر الاستنتاجات السياسية. ويمثل هذا الواقع تهديدًا لأجندة الطبقات الحاكمة التي تقوم بالرد في بعض الحالات بنزع الشرعية وإجراءات الاضطهاد ضد مظاهرات التضامن. وفي ألمانيا، على سبيل المثال، منعت الشرطة في بعض المدن المظاهرات تحت عناوين مثل "السلام في الشرق الأوسط"، و"التضامن مع المواطنين في غزة"، وفرضت السلطات حظرا على التلويح بالعلم الوطني الفلسطيني، كما أنها منعت استخدام كلمات وشعارات مثل "مذبحة" و"إسرائيل" و"تحرير فلسطين" — ففي إحدى الحالات في برلين، وتحت تأثير تعليمات وزارة التربية والتعليم، اعتدى مدرس جسدياً على طالب كان يلوح العلم الفلسطيني أثناء الاستراحة. لقد تم الترويج لعملية التطبيع بين الرأسمالية الإسرائيلية والأوليغارشيات العربية تحت رعاية الإمبريالية الأمريكية بطموح واضح للطبقات الحاكمة لتهميش القضية الفلسطينية والسماح بشكل عام بتطبيع الاحتلال الإسرائيلي. وكانت فرضيتهم الأساسية هي أنه في ظل الضغط المستمر للأزمات المذهلة، تضاءل تضامن الجماهير في المنطقة مع تطلعات الفلسطينيين إلى التحرر من القمع الوطني، وأن هذه التطلعات في حد ذاتها سوف تتلاشى مع مرور الوقت في ظل الضغوط المحبطة أمام حيز إقليمي يحتضن على ما يبدو نظام القمع الوطني. وقد استخفّوا بمركزية القضية الفلسطينية في وعي الجماهير في المنطقة، وكونها العقبة الأولى أمام عملية التطبيع، كما أنهم استخفّوا بقدرة الجماهير الفلسطينية نفسها على النضال ضد العديد من الترتيبات القمعية لنظام الاحتلال. على مدار سنوات، تحرك النظام الإسرائيلي في اتجاه متعجرف ومتشدد بشكل متزايد فيما يتعلق بإمكانية تقديم أي تنازلات جوهرية للفلسطينيين، بما في ذلك حول الأراضي، واستمر في السعي لإحباط وإخضاع حركة التحرر الوطني في مواجهة الجشع المتزايد لتعزيز المشروع الاستيطاني، إلى حد التهديدات الرسمية بالضم، وتعميق التشريعات التمييزية داخل أراضي 48 أيضًا. وفي أوساط الطبقة الحاكمة الإسرائيلية وعلى رأس جهاز الدولة والجيش، تطورت مخاوف، والتي شكلت أيضاً أساس بعض المواجهات مع نتنياهو، من أنه إذا لم يُظهر النظام الإسرائيلي المزيد من المرونة فيما يتعلق بالحفاظ على الاحتلال، الحصار والسيطرة على ملايين الفلسطينيين، سيقع في أزمات استراتيجية. إن الدعم الذي حصل عليه نتنياهو ومؤيدو الاحتلال في عهد حكومة ترامب، بينما يطلق الجيش الإسرائيلي النار على متظاهرين عزل أمام الجدار في غزة، أدى إلى تعزيز خطط الضم في الضفة الغربية بشكل غير مسبوق، حتى تجميد غير رسمي مقابل "اتفاقيات أبراهام" التي قدمها نتنياهو كخطوة أخرى في تحقيق استراتيجية جابوتنسكي "الجدار الحديدي" تجاه انتصار متخيل أمام الفلسطينيين. ومع عملية التطبيع، تقدمت أيضًا أعمال البناء في المستوطنات، والهجمات التي نفذتها خلايا المستوطنين اليمينية المتطرفة ضد الفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة الغربية، مع الحفاظ على الحصار في القطاع. إلا أن وتيرة "جولات" أزمات التصعيد العسكري بين النظام الإسرائيلي وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني تزايدت أكثر فأكثر. ونجحت حركة حماس، وسلطتها المحلية الواقعة تحت الحصار في غزة، في التغلب على كل ضربة عسكرية تكتيكية تلقتها. وأصبح ذراعها العسكري، كتائب عز الدين القسام، وعلى الرغم من الدونية العسكرية الهائلة، عاملاً كان على النظام الإسرائيلي أن يأخذه بعين الاعتبار كعامل معقدا كبير في المعادلة في أي سيناريو للتصعيد العسكري. وفي الوقت نفسه، لا تزال اتفاقيات التطبيع لا تحظى بشعبية، وتثير الاتفاقيات التاريخية في مصر والأردن قدراً أكبر من النفور الداخلي من نظيراتها الجديدة. وفي أحداث مايو/أيار 2021، قوبل عدوان النظام الإسرائيلي على الفلسطينيين بموجة من الانتفاضة الشعبية في صفوف الفلسطينيين. فقد انتزعت حماس زمام المبادرة وتدخّلت عسكريا في الأحداث بإطلاق الصواريخ بشكل عشوائي لتصوير نفسها كقوة حماية للفلسطينيين في كافة الساحات وللمسجد الأقصى كرمز ديني ووطني. وكعادتها، نقلت حماس النضال إلى ساحة صراع العسكري، وهو ما يفضله النظام الإسرائيلي بسبب موازين القوى العسكرية، عندما الطبيعة السياسية الرجعية لحماس، بما في ذلك المواقف السياسية والدعاية وأساليب العمل، في حد ذاتها تساعد سياسيا الرأسمالية الإسرائيلية لحشد الدعم لشن هجمات وحشية على الفلسطينيين. لكن التدخل فاجأ النظام الإسرائيلي حينها، الذي شن هجوماً عسكرياً على غزة، وتساءل المعلق العسكري رون بن يشاي: «لماذا قدروا في إسرائيل طوال الوقت أن حماس لا تريد التصعيد […] هذا سؤال يتم فحصه من قبل مجتمع الاستخبارات بأكمله"، بعد ترديد الأهداف الرنانة لحكومة نتنياهو الخامسة خلال الحملة العسكرية في ذلك الوقت، بما في ذلك: "الضرر الفادح لقدرتهم على إعادة تأهيل الأجهزة العسكرية، وبالتالي الإضرار بقدرتهم ودوافعهم لمواجهة إسرائيل لسنوات" (11.05.21). وقد ترافق التصعيد العسكري بعد ذلك مع هجمات عنيفة واشتباكات قاتلة في شوارع المدن في إسرائيل — وقد أظهرت قوى اليمين المتطرف اليهودية في الشوارع بالفعل خطرًا مماثلاً في الأزمة الحالية — ولكن أيضًا في مبادرات التضامن ضد الشق القومي في أماكن العمل والدراسات. وفي الوقت نفسه، بلغ اتجاه الانتفاضة الفلسطينية ذروته مع الإضراب الفلسطيني العام على جانبي الخط الأخضر ("إضراب الكرامة"). وكانت الرسالة لحكام المنطقة هي أن القضية الفلسطينية لن تذهب إلى أي مكان. تباطأت عملية التطبيع، لكنها استمرت، برعاية واشنطن، بعملية جسّ نبض متبادلة بين السعودية وإسرائيل. ثم تمكنت حماس، مرة أخرى، من استعادة دعمها السياسي بشكل طفيف لفترة معينة بعد المواجهة مع إسرائيل، لأنه تم تصويرها كقوة تجرؤ، على عكس السلطة الفلسطينية، على تحدي نظام الاحتلال. وبعد وقت قصير، يبدو أن الاستعدادات للهجوم المفاجئ قد بدأت، حتى قبل أن تنقل الحكومة الإسرائيلية "اليمينية بكاملها" الموقف الرسمي الرافض للتطلعات الوطنية الفلسطينية إلى ذروة جديدة من الغطرسة الاستفزازية، إلى جانب التسارع بتكثيف الهجمات على الفلسطينيين.
"نجحنا في إعادة القضية الفلسطينية إلى الطاولة"خلال الأزمة الضخمة الحالية أيضًا، تمكنت حماس في هذه المرحلة من تشديد وإعادة حشد الدعم السياسي بين شرائح واسعة، على الرغم من الأصوات الناقدة التي ارتفعت بين العديد من الفلسطينيين وفي جميع أنحاء المنطقة رداً على المذبحة التي تعرض لها المدنيون الإسرائيليون. وفي أوساط الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل، قدرت نسبة المعارضة للمذبحة بنحو 80٪ ('معهد أغام'، 12.10). إن اختراق جدار الحصار من جهة — على النقيض من المجزرة التي كانت عملاً رجعياً تماماً والعمل المهيمن في الهجوم المباغت — وشدة الهجوم الإسرائيلي من جهة أخرى، سهّل على حماس بتطوير انطباع، بل تمثيل زائف، وكأن استراتيجيته تمثل طريقاً للمضي قدماً نحو تحقيق تطلعات التحرر من الحصار والتحرر الوطني والاجتماعي. في الأساس، في حين أن تصرفات حماس ستؤدي بدورها إلى تغذية الرجعية القومية في المجتمع الإسرائيلي، وخلق قاعدة دعم جماهيرية للهجوم الانتقامي الإسرائيلي على غزة، فإن المذبحة في قطاع غزة على المدى القريب ستعزز صورة حماس كقوة حماية مفترضة في عيون الكثير من الشعب الفلسطيني. في استطلاع أجري في جنوب غزة والضفة الغربية في الأسابيع الأخيرة، فإن 47٪ من المشاركين في غزة و68٪ من المشاركين في الضفة الغربية "يؤيدون جدا" ما تم عرضه "العملية العسكرية التي شنتها المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس يوم 7 أكتوبر" (AWRAD، 14.11). وبينما تبعث موجة الاحتجاج العالمية الأمل بمستقبل الإنسانية لدى ثلثي سكان قطاع غزة، لنحو 90٪، تضاءلت الثقة بفكرة التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبالحل السلمي. ويعتبر دور حماس في غزة "إيجابيا جدا" أو "إيجابيا إلى حد ما" بنسبة 29٪ و31٪ على التوالي، بينما المعطيات في الضفة الغربية هي 62٪ و26٪. في الوقت نفسه فإن 80٪ "يؤيدون جدًا" فكرة الوقف الشامل لإطلاق النار، ونسبة قليلة فقط تفضل العودة إلى حكم حماس في اليوم التالي للحرب، مع اهتمام الأغلبية بتشكيل "حكومة وحدة وطنية". يعكس استطلاع للرأي أجري في غزة في الأيام التي سبقت الحرب وتم نشره مؤخرًا الاتجاه المستمر للانتقاد بين قطاعات واسعة من سكان غزة فيما يتعلق بالحكومة المحلية لحماس تحت الحصار (الباروميتر العربي، 25.10)، حيث أشار 67٪ منهم على انعدام وجود أي ثقة أو انعدام كبير للثقة في الحكومة، 72٪ أشاروا الى الفساد في المؤسسات الحكومية بدرجة كبيرة، و27٪ فقط انتموا حزبياً لحماس (مقارنة بـ34٪ في عام 2021)، والأفقر دعموا أقل. تفاقم الفقر المدقع في قطاع غزة، في ظل الحصار الذي تفرضه إسرائيل بالشراكة الوثيقة مع مصر، بوتيرة سريعة خلال العامين الماضيين، حيث ارتفعت نسبة المشاركين الذين أشاروا لنفاد الطعام لديهم خلال الشهر السابق للمقابلة دون أن يكون لديهم المال لشراء المزيد، من 51٪ في عام 2021 إلى 75٪. معدل مماثل خفض وجبات الطعام. عشية هجوم حماس المفاجئ، 20٪ فقط أيّدوا فكرة "الحل العسكري" و54٪ أيّدوا فكرة الحل الذي يشمل الدولتين (عمليًا، مع التأكيد على الاستقلال الوطني ورفض أفكار الكونفدرالية الإسرائيلية الفلسطينية أو الدولة ثنائية القومية). والآن، وفي ظل الهجوم الإسرائيلي، انخفضت نسبة التأييد لفكرة "دولتين لشعبين" إلى 23٪ في غزة ولفكرة "دولة واحدة لشعبين" إلى 2٪، بينما يؤيد 70٪ فكرة الدولة القومية الفلسطينية الواحدة من النهر إلى البحر (استطلاع AWRAD). حماس، مع برنامج اليمين الإسلامي، الذي تعتبر حكومتها المحلية شكلاً جنينيًا من الدولة الدينية الرأسمالية الاستبدادية، لم تتمكن على مر السنين من تقديم أي استراتيجية فعالة للتغلب على الحصار والاحتلال، والأزمة الاقتصادية، في حين أن كبار مسؤولي حماس، على غرار كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية، ادخروا ثروات كبيرة. عرفت قيادة حماس أن النظام الإسرائيلي سيرد على المذبحة التي خطط لها بفتح أبواب الجحيم، وإحداث الخراب والفجيعة هائلة لسكان القطاع، ومع ذلك قررت من تلقاء نفسها أن هذا الثمن يستحق العناء سياسيا. وقال نائب رئيس حماس في غزة خليل الحية ذلك بوضوح في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز في قطر وإن "ما كان بإمكانه أن يغير المعادلة هو عملا عظيما، ومن دون أدنى شك، كان معروفا أن رد الفعل سيكون عظيمًا أيضًا"، وبحسب قوله: "لقد نجحنا في إعادة القضية الفلسطينية إلى الوعي العام، والآن لا أحد في المنطقة ينعم بالسلام… هدف حماس ليس إدارة غزة و جلب الماء والكهرباء لها أو تحسين الوضع هناك. هذه المعركة لم تكن لأننا أردنا الوقود أو العمال… لقد أيقظنا العالم من سباته العميق" (8.11). وبهذا يعترف ممثل حماس بأن حركته، التي تقودها زمرة ذات ميزات مؤيدة-للرأسمالية، لا تقدم أي آفاق لثورة فلسطينية ولا تعتمد على قوة الجماهير الفلسطينية في النضال، بل تمجد المجازر، على حساب الاستعداد لمذبحة كارثية في غزة، بهدف سياسي وهو "إيقاظ العالم"، وعمليًا، بهدف دفع القوى العظمى العالمية الرأسمالية إلى حل المشكلة. وعلى الرغم من أن غالبية السكان لا يتفقون سياسيًا مع أجندة حماس برمتها، كما ذكرنا سابقًا، إلا أنها تمكنت من الاستفادة من الأزمة في هذه الأثناء لاستعادة الدعم لها. ومع ذلك، فإن حماس، باعتبارها قوة يمينية إسلامية، تقدم طريقا مسدودا للنضال. إن النضال ضد العدوان العسكري هو جزء من النضال من أجل التحرر الوطني والاجتماعي، وهو في حد ذاته أولا وقبل كل شيء نضال على المستوى السياسي. ويجب أن تستمد استراتيجية وتكتيكات الدفاع عن النفس من أهداف وخطة التغيير السياسي. يصر اليسار الطبقي الاشتراكي على أن سكان قطاع غزة لديهم حق مشروع في الدفاع عن النفس، بما في ذلك من خلال منظمات الحراسة المجتمعية الفلسطينية وحرب الميليشيات، كجزء من نضال جميع السكان — ويجب تنظيم مثل هذا النضال على أساس ديمقراطي، من خلال لجان شعبية منتخبة، يمكنها أيضًا ضمان السيطرة الديمقراطية على كل عملية دفاعية، وأيضًا المساعدة في قيادة الاستجابة لجوانب أخرى من المواجهة والتنظيم في ظل الوضع الكارثي في القطاع، مع بذل الجهد، إن أمكن، لحشد قوى المجتمع والتضامن الدولي للاستجابة للاحتياجات الطارئة وزيادة الضغط ضد المذبحة وضد الحصار. في ذروة الموجة الثورية في المنطقة عام 2011، تقلص نطاق عمل الرأسمالية الإسرائيلية للهجوم على قطاع غزة بشكل كبير. الآن، ومع استمرار توسع المظاهرات في جميع أنحاء العالم، وتدخل مجموعات من العمال بإجراءات لزيادة الضغط، فإن المظاهرات والحركات الجماهيرية في المنطقة، بما في ذلك أمام الحدود مع إسرائيل، أصبحت بالفعل عامل مؤثر ولديها القدرة على أن تصبح عاملاً حاسماً في ديناميكيات الحرب. ومن بين أمور أخرى، النجاح في فرض نقل تدابير المساعدة إلى السكان، والضغط على الأنظمة في المنطقة في علاقاتها مع إسرائيل لوقف التعاون، وتسريع وقف إطلاق النار بشكل كبير، وحتى التدخل لضمان النقل الكامل للموارد من أيدي الأوليغارشيات في المنطقة وفي إسرائيل لإعادة إعمار القطاع وحماية سكانه. وفي الوقت نفسه، وخلافاً للاتجاه الذي تقترحه استراتيجية حماس وأساليب عملها، فإن موجة الاحتجاج العالمي ضد المذبحة قادرة على توفير قوة دافعة لبناء نضال جماهيري فلسطيني لإنهاء الهجوم والحصار والاحتلال، الذي يمكن أن يستلهم أيضًا التقاليد النضالية القوية للانتفاضة الأولى — التي ولدت في غزة — للنضال الجماهيري، الذي شمل المظاهرات والإضرابات، واللجان الشعبية المنتخبة. إن مثل هذا التطور في حد ذاته، بما في ذلك تطور "إضراب الكرامة" لكافة الجماهير الفلسطينية في 21 مايو/أيار، سوف يغير ميزان القوى ويضع بشكل حاد مطالب التحرر الوطني على جدول الأعمال. ويدعم الاشتراكيون والاشتراكيات طريق نضالي لانتفاضة ديمقراطية واسعة النطاق من أجل التحرر الوطني والاجتماعي، وفي بناء التضامن الدولي في الحركة العمالية، بما في ذلك دعوة العمال الإسرائيليين إلى توحيد القوى والنضال من أجل حل جذري، على أساس عدم القمع والمساواة الكاملة، ولا سيما الحق في الوجود وتقرير المصير والعيش بكرامة ورفاهية وأمن شخصي. إن هذا النضال هو في الأساس جزء من النضال من أجل التغيير الاشتراكي على المستوى الإقليمي، وبشكل عام، وهو ضروري لوضع الأسس لحياة متساوية لملايين الفلسطينيين وملايين الإسرائيليين، ولإزاحة علاقات القمع والعداء، وأيضاً من أجل حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال موافقة تشمل الاعتراف بالظلم التاريخي وحق الراغبين في العودة، مع ضمان حياة الرفاه والمساواة لجميع السكان.
أهداف وقيود سلطة الاحتلالالنظام الإسرائيلي في مأزق استراتيجي. وبقدر ما يسعى جاهدا سياسيا، عبر الوسائل العسكرية، إلى إحكام قبضته وإعادة استقرار سيطرته على قطاع غزة والسكان الفلسطينيين وديناميكيات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإنه، مع أنهار من الدماء، يشد قبضة عدم الاستقرار، ويضعف أسس ترتيبات «اليوم التالي»، التي ليست في هذه المرحلة أكثر من مجرد تكهنات بالنسبة له. الهدف الوحيد المعلن الذي يردده نتنياهو وشركاؤه هو، بصيغ مختلفة، "القضاء على حماس" أو القضاء عليها كقوة عسكرية وكقوة حاكمة محلية تحت السيطرة الإسرائيلية. لقد حاول النظام الإسرائيلي بالفعل في الماضي، بما في ذلك في جولات من التصعيد العسكري ومن خلال اغتيالات لقادة سياسيين وعسكريين رئيسيين، القضاء على حركة حماس، لكنها ازدادت قوة في الغالب، ولا سيما عسكريا، ويعلم الاستراتيجيون الأكثر رصانة في خدمة الطبقة الحاكمة الإسرائيلية أنها غير قادرة على اقتلاع حركة تتمتع بقاعدة دعم جدّية وتحظى حاليًا بأقوى ميليشيا فلسطينية. وحتى "تدمير حكم حماس" في قطاع غزة، والذي كان وعد نتنياهو الانتخابي في عام 2009، لم يُنظر إليه حتى 7 أكتوبر/تشرين الأول باعتباره هدفاً استراتيجياً جدياً بين قادة المنظومة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، ومع ذلك لقد دفعتهم جدلية أزمة نظام الاحتلال إلى جعل نفس الهدف صيحة المعركة الآن. حتى 7 تشرين الأول/أكتوبر، كانت حكومة حماس في قطاع غزة تعتبر "الأقل شرا" بالنسبة للنظام الإسرائيلي، كما تم تعريفها رسميا حتى في هدف الهجوم على غزة عام 2014: "إرساء الهدوء والاستقرار الأمني في الساحة الفلسطينية لفترة طويلة، وعلى أساس حماس كعنوان مسؤول، ضعيف عسكريا، منضبطا وضابطًا في غزة" (يوليو/ تموز2014). الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس، بحسب المعلومات المتوفرة في هذه الأثناء، بدأ تنظيمه عملياً على مستوى عالٍ من التقسيم بعد وقت قصير من أحداث 21 مايو (9.10)، وشمل قوات يصل عددها إلى حوالي 3000 رجل مسلح، بحجم لواء عسكري صغير، يغزون من البر وجزئيًا من البحر والجو (1.11). لقد وجهت ضربة لهيبة الجيش القوي في المنطقة والمخابرات الإسرائيلية، وفي لحظة واحدة أغلقت بسطة عقيدة "التنسيقات" التي روجت لترتيبات مؤقتة لتثبيت نظام الحصار، بمساعدة مصر وقطر بين الجولات العسكرية ("قص العشب"). كما أوضحنا سابقًا، فيما يتعلق بمحاولة محتملة من قبل النظام الإسرائيلي للإطاحة عسكريًا بحكم حماس في قطاع غزة،"على النقيض من الحسم العسكري على تنظيم "نمور التاميل" [LTTE] الذي اتخذه نظام راجاباكسا في الأراضي التاميلية في سريلانكا بعد انتهاء حرب طويلة عام 2009، فإن مصلحة النظام الإسرائيلي هي في فك الارتباط وليس السيطرة المباشرة على القطاع، بسبب الاعتبار الديمغرافي، وبالتالي، سيُطرح السؤال مراراً وتكراراً حول طبيعة القوى السياسية التي ستسيطر على المنطقة عندما ينسحب أخيراً" (وثيقة آفاق، مؤتمر النضال الاشتراكي، 2017). وفي عام 2014، حذر الجيش الإسرائيلي "المجلس الوزاري السياسي الأمني" من أن مثل هذا التحرك العسكري، في تقديره، سيتضمن "الاحتلال الكامل للقطاع لمدة خمس سنوات على الأقل، مع مقتل آلاف الفلسطينيين، ومئات الجنود الإسرائيليين، وتكلفة اقتصادية مباشرة تبلغ عشرة مليارات شيكل، وعزلة إسرائيل الدولية واحتمال إلغاء اتفاقيات السلام بين إسرائيل ومصر والأردن" (المرجع نفسه). وجاء استسلام منظمة ال-LTTE في مايو/أيار 2009 — والتي كانت قوة عسكرية يمكن مقارنتها في نطاقها بالجناح العسكري لحركة حماس اليوم — بعد أشهر صعدت فيها الحكومة السريلانكية هجومها العسكري باستخدام عناصر إبادة جماعية، والذي شمل قصفًا مكثفًا وتفجيرات أسفرت عن مقتل ما بين 40.000 إلى 150.000 مدني، معظمهم من التاميل، ضمن تعداد سكّان أقل كثافة من قطاع غزة وبعد نجاة ربع مليون من السكان من الجحيم تم وضعهم في معسكرات الاعتقال. وحتى في ظل سيناريو رعب مماثل، فمن غير المرجح أن تعلن حماس وجناحها العسكري عن الاستسلام، حتى لو تعرضوا لإصابات تنظيمية كبيرة، حيث أنهم يحتفظون بقاعدة دعم كبيرة، ويستمرون في العمل في كل من الضفة الغربية ولبنان، وحتى في حين أن الهجوم الإسرائيلي نفسه يواجه تحدياً تتجلّي بموجة احتجاجية جماهيرية في المنطقة والعالم. علاوة على ذلك، لا تشارك قوات حماس فقط في القتال ضد الغزو البري، بل جميع الميليشيات الفلسطينية، التي تعتمد في هذا السياق على الدعم الشعبي بين السكان المحاصرين ضد عدوان القوة الغازية. ويحاول النظام الإسرائيلي تخفيف الضغوط الدولية التي مورست حتى الآن، من خلال هدنات تكتيكية ("إنسانية")، كما أوصى البيت الأبيض. ما بدأ باتفاق (10.11) على إيقاف إطلاق النار يوميا لمدة 4 ساعات فقط في شمال قطاع غزة، تطور تحت ضغوط متزايدة للموافقة على صفقة أولى للأسرى — والمخطوفين (22.11)، تتضمن إطلاق سراح الأطفال والفتيان الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، والأطفال والنساء من أيدي حماس، و"هدنة" لعدة أيام. وكما ذكرنا، فإن النظام الإسرائيلي يرفض في هذه المرحلة الضغوط الرامية إلى تحويل "الهدنة" إلى وقف دائم لإطلاق النار، ويهدد بما يقارب شهرين إضافيين من الهجوم المكثف. وفي مرحلة لاحقة، قد يكون هناك انتقال إلى محاولة إعادة انتشار عسكري دائم في أجزاء من القطاع مع مواصلة العمليات العسكرية بكثافة متفاوتة على مدى أشهر وربما حتى سنوات. وادعى نتنياهو، في مقابلة مع شبكة ABC وفي اجتماع مع رؤساء السلطات المحلية، أنه بعد "القضاء على حماس"، يفترض أنه، "ستكون هناك سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة على قطاع غزة، بما في ذلك نزع السلاح الكامل، لضمان أنه لم يعد هناك تهديد من غزة لمواطني إسرائيل" (10.11). وفشل الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ فكرة "النزع الكامل للسلاح" حتى في ظل الاحتلال المباشر للضفة الغربية. وفي قطاع غزة، حتى الآن، حتى وفقا للبيانات التي قدمها الجيش الإسرائيلي، فإن الغالبية العظمى من القتلى ليسوا من الجناح العسكري لحماس، الذي احتفظ في هذه الأثناء بقيادته العليا. بالإضافة إلى مقتل العشرات من الجنود الإسرائيليين خلال 4 أسابيع من الغزو البري. ومع مرور الوقت، فإن محاولة الاحتلال الإسرائيلي لسحق القوة العسكرية والتنظيمية لحركة حماس، وخاصة في جنوب قطاع غزة، سوف تكون سلاحاً ذا حدين. قد تكون العواقب المزعزعة للاستقرار بالنسبة للرأسمالية الإسرائيلية دراماتيكية، بالنظر إلى احتمال انتشار الصراع العسكري، وموجة الاحتجاج العالمية والإقليمية، وإجراءات الاحتجاج الدبلوماسية التي اتخذتها عدة دول تحت الضغط، والغضب بين الجماهير الفلسطينية، وكذلك انعدام الثقة بين الجماهير الإسرائيلية. إن الحركة الاحتجاجية الإسرائيلية التي اندلعت ضد الاحتلال الإسرائيلي للبنان والمظاهرة الحاشدة رداً على مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982 تشير إلى إمكانية تطور مظاهرات "فشل 2023" والمظاهرات من أجل إطلاق سراح المختطفين الإسرائيليين ضد حكومة لا تحظى بشعبية والتي واجهت، حتى الحرب، حركة جماهيرية غير مسبوقة منذ البداية. هناك عامل معقّدا آخر لخطط الاحتلال طويلة المدى وهو الحشد الجماهيري للخدمة الاحتياطية في الجيش، التي تصل إلى عدد غير مسبوق يبلغ 360 ألف جندي — أي أربعة أضعاف ما كانت عليه في حرب لبنان الثانية — والتي أصابت بالفعل أجزاء من الاقتصاد الإسرائيلي بالشلل ومن غير المرجح أن تستمر أكثر من أشهر قليلة، على غرار حرب 1973. والآن، تؤدي عملية الأزمة الاقتصادية إلى تفاقم مشاعر العجز والغضب تجاه الحكومة، وكذلك تجاه الرأسماليين. أظهر مسح شامل أجري بين السكان اليهود في إسرائيل ('معهد أغام'، 22.10) في الأسابيع الثلاثة الأولى من الحرب انخفاضا واضحا في تأييد فكرة استعادة الاحتلال الإسرائيلي المباشر لقطاع غزة لسنوات من حوالي 63٪ إلى حوالي 47٪ — أي حوالي 34٪ من عامة السكان. ومن المرجح أن يأمل أفراد الطبقة الحاكمة الإسرائيلية أن يتمكنوا في نهاية المطاف من الخروج من الأزمة إلى حضن اتفاق سياسي بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية في فناء البيت الأبيض. في هذه الأثناء، لا يبدو أن لديهم استراتيجية خروج منظمة من مرحلة تدمير حياة سكان قطاع غزة باسم "محاربة حماس". ومع ذلك، وبينما يبدو أن طريق تهجير السكان من القطاع لا يزال مسدودًا أمامهم، فقد ظهرت أفكار مركزية أخرى في هذه الأثناء من عناصر مختلفة في المؤسسة الإسرائيلية، شملت نقل الحكم في القطاع إلى قوة احتلال متعددة الجنسيات، على سبيل المثال الدول العربية، كخطوة على طريق إعادة السلطة الفلسطينية تحت مقابض إسرائيلية. ويبدو أن هذه الفكرة أعجبت حكومة بايدن أيضاً، التي وبخت، من بين أمور أخرى، حكومة نتنياهو على قرارها اقتطاع (سرقة) أموال الضرائب التي كان من المفترض أن تذهب إلى السلطة الفلسطينية، بعد تأخير (4.11). واحتجاجًا على فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، رفضت حكومة السلطة الفلسطينية قبول التحويل. وفي الوقت نفسه، مجرّد وجود محاولة لتحويل الأموال، رغم معارضة بعض الوزراء، يعكس الضغوط التي تتعرض لها الحكومة من قبل الطبقة الحاكمة والمؤسسة العسكرية الأمنية، وكذلك من واشنطن، بسبب مخاوفهم من ضعف الاستقرار المستمر للسلطة الفلسطينية. إن السلطة الفلسطينية والرئيس عباس، اللذين يعانون من أزمة شرعية حادة بين الجماهير الفلسطينية، يدركون جيداً أن مثل هذا التعاون الصارخ مع نظام الاحتلال على خلفية المذبحة الجماعية في غزة سيكون بمثابة حكم الإعدام السياسي عليهم. وكما قال رئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد اشتية في مقابلة مع صحيفة الغارديان، سيبدو الأمر "كما لو أن هذه السلطة الفلسطينية تصل على متن طائرة F-16 أو دبابة إسرائيلية"، ما لم تعترف إسرائيل بالدولة الفلسطينية (29.10). وأشار اشتية أيضا إلى دور السلطة الفلسطينية في ظل الاحتلال في الضفة الغربية على خلفية الغضب المتزايد بين الفلسطينيين في محصورات السلطة الفلسطينية، وزعم أن السلطة الفلسطينية "عالقة بين المطرقة والسندان"، بين السكان والنظام الإسرائيلي. تؤكد أفعال قوات السلطة الفلسطينية لقمع الاحتجاجات الفلسطينية على دورها الأساسي عمليًا كمقاول للاحتلال الإسرائيلي وكشكل جنيني للدولة البوليسية الرأسمالية. إن سيناريو إدخال قوة احتلال متعددة الجنسيات إلى غزة لمساعدة نظام الاحتلال على تثبيت الوضع في القطاع "في اليوم التالي" سيثير مقاومة وصراعات في حد ذاته، وبالتأكيد لن يقدم مستقبلاً للجماهير في غزة وعلى كلا جانبي الجدار. وحتى في هذه الحالة، هل سيكون النظام الملكي السعودي قادراً على السير جنباً إلى جنب علناً مع الرأسمالية الإسرائيلية بعد مذبحة تاريخية في غزة؟ وسيعتمد ذلك أيضاً على تطور موجة الاحتجاج الإقليمية والعالمية، وعلى إمكانية تطور انتفاضة شعبية فلسطينية، وأيضاً على مسألة تشكيلة الحكومة الإسرائيلية بعد نتنياهو. السيناريو الأكثر ترجيحا بالنسبة لنتنياهو هو أن الحرب ستؤدي إلى نهاية سياسية — فأكثر من نصف ناخبي الليكود في الانتخابات الأخيرة يؤيدون فكرة استقالته في نهاية الحرب ('معهد أغام'، 22.10). حيث أنه في وضع متضعضع ويحاول يائسًا تقديم "إنجازات"، فقد يكون نتنياهو الآن أحد العناصر الأكثر تشدداً في النظام الإسرائيلي الذي قد يبحث عن فرص لبدء المزيد من خطوات التصعيد، بما في ذلك ضد حزب الله وإيران. وفي خطاب ألقاه بمناسبة مرور شهر على الحرب، أعلن نتنياهو أن الهجوم الإسرائيلي "[سوف] يقضي على القدرات العسكرية والحكومية لحماس. غزة لن تشكل تهديدا لإسرائيل بعد" (7.11). تعرض الديماغوجية الأمنية المذبحة التاريخية الذي ينظمه نظام الحصار بين سكان غزة كعمل من المفترض أنه يهدف إلى تحسين الأمن الشخصي للمواطنين الإسرائيليين — بعد أن تحطمت كل الوعود الديماغوجية المعاد تدويرها والتي رافقت جولات إراقة الدماء في غزة على مر السنين، وستستمر بالتحطم بسبب محدودية قوة الدولة المحتلة. وبعد حمام الدم عام 2014، الذي يتضاءل أمام الحمام الحالي، قد حذّرنا من أن النظام الإسرائيلي يسعى إلى إدامة الحصار والاحتلال وأن هجماته على الفلسطينيين ستقود الصراع الوطني الدموي إلى أعماق جديدة، بما في ذلك قدّرنا كذلك أن الوضع الراهن يمكن أن يؤدي إلى أزمة دموية من شأنها أن تشمل محاولة لاستعادة احتلال قطاع غزة "لاستعادة النظام." إن الاحتلال وحمام الدم في قطاع غزة يسعى إلى عكس عملية التطور التنظيمي العسكري لحماس بشكل أعمق من ذي قبل، بحجة أنها لن تكون قادرة على التطور مرة أخرى، لكن بالطبع نتنياهو لا يطرح أفقاً للسلام في غزة بل لجحيم أكثر فظاعة، وبشكل أساسي بهدف حماية استمرار القمع القومي للفلسطينيين والسيطرة الاستعمارية لدولة إسرائيل على حياة سكان قطاع غزة. ونتيجة لذلك، فإن الكارثة التي يخلقها الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة سوف تؤدي أيضاً بشكل مأساوي إلى هجمات انتقامية ضد المواطنين الإسرائيليين، وسوف تمهد الطريق حتماً عاجلاً أم آجلاً للأزمات الدموية المقبلة، والتي ستضيف وتكلف أيضًا الجماهير الاسرائيلية أثمانًا ثقيلة. إن توسيع وتصعيد موجة الاحتجاج العالمية ضد الهجوم الإسرائيلي ضروري أيضًا من منظور شامل للسلام الإقليمي.
"الكلّ مقابل الكل"إن التحريض القومي الجامح من طرف جميع أحزاب المؤسسة الإسرائيلية التي تمجد جميعها العدوان الإسرائيلي وحمام الدم في قطاع غزة ينجح في حد ذاته في مواصلة تأجيج انفجار الرجعية القومية في المجتمع الإسرائيلي — وبالتالي، بعمى قومي من النوع الذي تنجح الطبقات الحاكمة في العالم بإشعاله في المراحل الأولى من الحروب، فإن حوالي 84٪ من السكان اليهود (حوالي 6٪ من السكان العرب) يعتقدون أن الهجوم الإسرائيلي لا يحتاج أو يحتاج "بدرجة قليلة" مراعاة معاناة سكان قطاع غزة (׳المعهد الاسرائيلي للديمقراطية׳، 23.10). ويؤيد ما يقارب نصف السكان اليهود (حوالي 15٪ من السكان العرب) فكرة التصعيد الإسرائيلي الاستباقي ضد حزب الله. أما بين الجمهور العام في إسرائيل فإن حوالي 17٪ — 18٪ فقط يؤيدون فكرة المفاوضات الفورية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. بحسب استطلاع "معاريف"، حتى بداية تشرين الثاني/ نوفمبر، فإن 3٪ فقط من عامة الناس يؤيدون "وقف إطلاق النار الإنساني دون علاقة للمختطفين"، و30٪ يعارضونه في أي موقف (6٪ بين العرب الذين شملهم الاستطلاع)، و39٪ يؤيدون مقابل إعادة كافة المختطفين، ومثلما جاء في الاستطلاع المذكور سابقا، 16٪ مقابل إعادة بعض المختطفين (10.11). ومع ذلك، فإن التناقض بين الديماغوجية الأمنية للنظام والشعور بعدم الأمان بين الجماهير الإسرائيلية حاد جدًا، وعلى عكس الفترات السابقة من أزمات الحرب التي كانت مصحوبة بالصدمة والخوف، فإن مستوى الثقة في الحكومة الإسرائيلية وصل الحضيض: 18٪ فقط من الجمهور العام في إسرائيل (20.5٪ من السكان اليهود، 7.5٪ من السكان العرب) يثقون في الحكومة، وهذا هو الرقم الأدنى الذي تم قياسه في استطلاعات ثقة الجمهور التي أجراها "المعهد الاسرائيلي للديمقراطية" منذ أن بدأت قبل عشرين عاما (المرجع نفسه). يهبط "الليكود" إلى حوالي 18 مقعدًا، وتقلص ائتلاف نتنياهو، كما كان عشية الحرب، إلى 42 مقعدًا ('معاريف'، 3.11). ارتفاع حزب «المعسكر الوطني» بقيادة الجنرالين الفاسدين غانتس وآيزنكوت في استطلاعات الرأي لم يتزعزع عندما انضما إلى الحكومة. ويبدو أنه في نظر الفئات الميالة إلى "المركز-اليمين"، تعتبر هذه الفكرة كتدخّل لهيئة تشرف على الحكومة، والتي تعتبر بدورها أكثر مصداقية، بشكل مؤقت كأمر "افتراضيّ". على الرغم من أن غانتس قد تم دفعه إلى الهامش في الماضي القريب، إلا أنه في وضع يسمح له بتحقيق كسب سياسي من رفض الليكود والأحزاب الأخرى. تعكس ظاهرة قيام السكان الغاضبين بطرد الوزراء من كتلة نتنياهو جزء صغير فقط من الغضب الجماهيري الهائل الذي يهدد بالانفجار "في اليوم التالي". قبل صفقة "الهدنة"، رفضت حكومة نتنياهو وغانتس وبن جفير وقف إطلاق النار، بادعاء المطالبة بالإفراج عن المختطفين، وتواصل الحكومة تبرير الهجوم العسكري على غزة باعتباره عملاً من المفترض أنه يقدّم حل قضية المختطفين. ومن غير المستبعد عمليا أن يكون بعض المختطفين قد لقوا حتفهم في القصف، التي ربما ألحق أيضا أضرارا بالمختطفين المحتجزين في الأنفاق تحت الأرض. قضية المخطوفين عالقة مثل عظمة في حلق النظام الإسرائيلي، وهي مصدر خاص للنقد العام فيما يتعلق بعدم قدرة الدولة على ضمان الأمن الشخصي للمواطنين. والمختطفات الأربع اللاتي تم إطلاق سراحهن قبل "الهدنة"، من بين حوالي 240، زادوا الضغط على الحكومة الإسرائيلية. تم إطلاق سراح الأوائل بتدخل حكومة بايدن أمام القناة القطرية، كونهن تحملن الجنسية الأميركية، وهو ما حدث دون تدخل إسرائيلي فعّال، وعزّز الإمكانية الفعالة لدعم الصفقات. وبعد ذلك، أحرج إطلاق سراح يوخيفيد ليفشيتس، البالغة من العمر 85 عاما، مندّدي الحرب، لأنها انتقدت الحكومة الإسرائيلية بسبب "إهدارها"، ووصفت في بث مباشر المعاملة المعقولة التي تلقتها من الخاطفين. إن إطلاق سراح عشرات المختطفين ضمن صفقة "الهدنة" لن يخفف الضغط على الحكومة الإسرائيلية، لكنه يوضح جدوى صفقات إطلاق سراحهم أحياء وبحالة بدنية معقولة. من ناحية أخرى، وافقت الكنيست على انتهاك ظروف الأسرى الفلسطينيين، وكشفت وثائق عن سيل من حالات التنكيل بالمعتقلين والأسرى الفلسطينيين على يد جنود وشرطة وحراس سجون إسرائيليين (29.10). كذلك، سُجن نحو 4500 عامل فلسطيني من غزة، كانوا يعملون في إسرائيل بداية الأزمة، لفترة طويلة في ظروف قاسية، وظهرت على بعضهم علامات الضرب واشتكوا من تعسّف. وتمت إعادة حوالي 3000 منهم بعد حوالي شهر إلى قطاع غزة قدمًا مسافة طولها 6 كيلومترات إلى معبر كرم أبو سالم، للصمود تحت القصف الإسرائيلي. "أولاد في عمر أطفالي جردونا من ملابسنا وتبولوا علينا"، قال أحد العمال للجزيرة، "لم يذكرنا أحد، العمال المحتجزون في إسرائيل، لا الصليب الأحمر ولا غيره؛ والسلطة الفلسطينية باعتنا، كل الدنيا باعتنا" (3.11). وجاءت إعادة العمال بعد قرار حكومي شمل قطع سبل عيش 18٬500 من سكان غزة الذين لديهم تصاريح عمل في إسرائيل، مع الإعلان عن عدم السماح للعمال من قطاع غزة بالدخول (4.11). وفي الأسابيع الأخيرة، منعت الحكومة الإسرائيلية دخول 130 ألف عامل من الضفة الغربية، خاصة في قطاعي البناء والزراعة، ويطالب وزير الاقتصاد الملياردير نير باركات الحكومة باستخدام العمال المهاجرين بدلاً من ذلك (30.10). وهكذا، وتحت رعاية الحرب، تعمل الرأسمالية الإسرائيلية على تعميق الخنق الاقتصادي لآلاف الأسر من الطبقة العاملة الفلسطينية. قبل الموافقة على صفقة "الهدنة"، تفاخرت حكومة نتنياهو-غانتس-بن جفير أيضًا بالإفراج عن جندية محتجزة في غزة بالوسائل العسكرية — وبتكلفة بشرية كارثية، وذلك في الواقع بهدف درء الضغوط من أجل التوصل إلى صفقات لإطلاق سراح المختطفين الإسرائيليين. وحتى الآن، لا يملك نتنياهو والحكومة، والنظام الإسرائيلي بشكل عام، إرادة سياسية أو مصلحة حقيقية في تبني مطلب "الكل مقابل الكل" الذي تقدمت به "مقر أهالي المخطوفين والمفقودين"، رغم أن الهيئة — التي تمثل بعض العائلات ويقودها استراتيجيون "محترفون" ذوي أجندة مؤسسية قومية — بنفسها تروج لخط رجعي من العقاب الجماعي ومعارضة أي وقف لإطلاق النار وأي عامل قد يخفّف من وضع سكان القطاع. في حين أن السيناريو الافتراضي المتمثل في إفراغ مرافق الاحتجاز الإسرائيلية المكتظة بآلاف الأسرى الفلسطينيين غير الجنائيين، مع استمرار سياق الحصار والاحتلال والصراع القومي، لن يمنع في حد ذاته عكس الصورة بسرعة مع الاعتقالات الجماعية. ومع ذلك، من حيث العواقب السياسية، فإنه سيكشف مؤسسة السجون الإسرائيلية ذاتها على أنها أكثر هشاشة من أي وقت مضى، وسيكون أيضا بمثابة صورة انتصار لحماس. لكن حتى حماس، التي تطرح نفس المطلب على ما يبدو، ليس لديها مصلحة في التوصل إلى مثل هذه الصفقة الشاملة خارج سياق اتفاق وقف إطلاق النار مع الضمانات. لدى كلا الطرفين في هذه المرحلة مصلحة في تأجيل الأمور لبقية الطريق ويفضلان اتفاقيات عينيّة والتي سيتم فحص كل منها على حدا في كل مرة. إن الاستجابة لمطلب صفقة "الكل مقابل الكل" ستتطلب ممارسة ضغط كبير على الحكومة الإسرائيلية في نضال واسع النطاق، وعلى النقيض من الخط اليميني الذي يقترحه استراتيجيو "مقر العائلات"، بالضرورة أيضاً حول المطالبة بوقف فوري ودائم لإطلاق النار. بين السكان اليهود، لا يزال التأييد لوقف إطلاق النار كما ذكرنا منخفضًا، على الرغم من أنه إذا تم توجيه الموارد العديدة لذلك المقر في البداية إلى الدعاية لصالح وقف إطلاق النار، فمن المرجح أن يكونوا قادرين على التأثير بشكل كبير على نسبة التأييد للفكرة في هذه المرحلة. لكن هذا لا يكفي. وتجدر الإشارة إلى أن سياسة الاعتقال الجماعي للفلسطينيين، بغرض مواصلة الحصار والاحتلال والقمع القومي للملايين، هي ما يكمن وراء الدافع السياسي لاختطاف الرهائن. وعلى وجه الخصوص، يجب معارضة الاعتقالات الإدارية ويجب التوضيح أنه لا يمكن أن يكون هناك إجراء عادل في سياق الاحتلال والسجن الجماعي، دون محاكمة أو من خلال محاكمة عسكرية، بما في ذلك الأطفال. وبدلاً من ذلك، وفي سياق إنهاء القمع والصراع القومي، سيكون من الممكن إجراء محاكمة عادلة، في إجراء مخصص، تحت إشراف منظمات العمال وحقوق الإنسان المستقلة من جميع المجتمعات، للإسرائيليين والفلسطينيين المشتبه في مسؤوليتهم عن الفظائع المرتبطة بالصراع القومي.
حكومة الحرب تزيد الملاحقةتعتمد الحكومة الإسرائيلية على دعم متناقض للغاية، ربما لم يسبق له مثيل، بين الجماهير الإسرائيلية، بعد أن واجهت حتى قبل الحرب حركة احتجاجية جماهيرية في المجتمع الإسرائيلي منذ تشكيلها. وعلى الرغم من انقطاع الحركة الجماهيرية في الحرب، فإن الحكومة تعيش أزمة شرعية حادة، يُستبعد منها تماما اليمين "المركزي" الذي يقوده الجنرالات، في حين أنها لا تحظى بدعم واسع النطاق إلا فيما يتعلق بتفعيل آلة الحرب، عندما حتى في هذا الجانب هناك طبقات واضحة من عدم الثقة. حوالي 9٪ فقط من الجمهور العام "واثقون من أن الحكومة لديها خطة عمل واضحة" ('المعهد الإسرائيلي للديمقراطية'، 23.10). حتى فيما يتعلق بغانتس، الذي يتمتع بأعلى مستوى من الثقة في الحكومة، فإن نصف السكان اليهود فقط يثقون به "إلى حد كبير أو كبير جدًا" لقيادة الحرب ('معهد أغام'، 22.10). الوزيران سموتريش وبن جفير في أسفل الترتيب في هذا الصدد، حيث أن أكثر من نصف السكان اليهود "لا يثقون بهم على الإطلاق" في سياق الحرب. وفي الواقع، وعلى الرغم من الرجعيةالقومية العدوانية، فإن أحزاب اليمين المتطرف في الحكومة ليست في ذروة قوتها في هذه المرحلة. إن المشاعر الانتقادية تجاه المستوطنات واليمين المتطرف، والتي ميزت حركة الاحتجاج الإسرائيلية لعدة أشهر، لا تزال على حالها. وهذا ما يتم التعبير عنه حتى في تصريحات بعض أقارب الإسرائيليين المختطفين أو القتلى. وهكذا، فإن حفيد أحد المختطفين، من نير عوز، رغم أنه لم يعرب عن معارضته للهجوم العسكري في غزة، قال في خطابه يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر في تجمع حاشد في تل أبيب للمطالبة بالإفراج عن المختطفين، إن الحكومة "تخلت عن سكان الجنوب منذ سنوات طويلة… تعزز الاستيطان وتضعف الضواحي السكانية… حكومة بلا حل أو أفق سياسي، فقط حروب وحملات عسكرية وجولات تعود على نفسها" (11.11). وعلى الرغم من الغضب الجماهيري ضد الحكومة، إلا أنها تحتمي بالحملة العامة للطبقة الحاكمة من أجل "الوحدة الوطنية" ودعم آلة الحرب، بينما تلجأ إلى إجراءات متزايدة من القمع والملاحقة ضد الأصوات التي لا تصطف مع دعم الحرب، وفي المقام الأول ضد المجتمع العربي الفلسطيني. في الواقع، فإن الحكومة المتعثرة في وضع أضعف بشكل واضح من ديكتاتورية بوتين البونابرتية في روسيا، التي تدوس بعنف كل صوت معارض، لذلك فهي مجبرة على اتخاذ نهج أكثر حذرا تجاه المظاهرات لاستعادة المختطفين ومظاهرات "فشل 23". لكن في أوساط المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل — الذي تمكن من تنظيم عدة مظاهرات محلية أولى، شارك أكبرها المئات في أم الفحم وقوافل احتجاج ضد الحرب — فإن مستويات القمع تذكرنا بعناصر من أيام الحكم العسكري. وقد أوضح القائد العام للشرطة شبتاي، دمية بن جفير، علناً أنه "لن نسمح بالاحتجاجات"، في إشارة تحديداً إلى الاحتجاجات ضد الحرب — "من يريد ان يكون مواطنا اسرائيليا، اهلا وسهلا به. ومن يريد التعاطف مع غزة، تمام. سأضعه في الحافلات المتجهة إلى هناك الآن" (18.10). ورفضت شرطة بن جفير على وجه الخصوص طلب الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة لتنظيم مظاهرة في أم الفحم، بدعوى أنها "ستؤدي بالتأكيد إلى ضرر جسيم وخطير للنظام العام والسلم العام" (5.11). في المقابل، حصلت مظاهرة يمين متطرف استعمارية في تل أبيب لصالح "الاحتلال والترحيل والاستيطان" على موافقة الشرطة. محكمة العدل العليا، كونها مؤيدة للحرب، رفضت في الأسابيع القليلة الأولى التماسات ضد الحظر الذي فرضته الشرطة على تنظيم مظاهرات مناهضة للحرب في السلطات العربية (8.11)، وبذلك كشفت مرة أخرى حقيقة أنها، على عكس الرواية الليبرالية، ليست معقلًا للديمقراطية أو العدالة، بل هي سلطة حكومية تعمل في نهاية المطاف وفقًا لمصالح الطبقة الحاكمة وتديم النظام الاجتماعي القائم على عدم المساواة والقمع. برعاية محكمة العدل العليا، اعتقلت شرطة بن جفير رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل عضو الكنيست السابق محمد بركة (الجبهة) و3 أعضاء كنيست سابقين آخرين، على خلفية نية لجنة المتابعة لتنظيم وقفة احتجاجية صغيرة في الناصرة ضد الحرب. وحتى بعد تقديم التماس إلى المحكمة العليا لتنظيم مظاهرة في تل أبيب يوم 18 تشرين الثاني/نوفمبر ضد الحرب، تصرفت الشرطة كرقيب سياسي عند مدخل مجمع مغلق ومعزول، ومنعت إدخال بعض اللافتات لاعتبارات سياسية. وفي هذه الأثناء، حاول بن جفير أن يمرر في الحكومة، تحت مظلة أنظمة الطوارئ، تصريحا متجددا للشرطة بفتح النار على المدنيين الذين يغلقون الطرق، وذلك لأول مرة منذ قيام الشرطة بمذبحة المتظاهرين في أحداث أكتوبر 2000 — النائبة العامة، التي مدحها الليبراليون بسبب جدالاتها في الحكومة، أيدت الاقتراح الذي تم حظره حاليا بسبب معارضة غانتس. وقام وزير الاتصالات كرعي (الليكود)، الذي صد الدعوات العامة من الوزراء للاعتذار عن الأزمة مع السؤال " عمّا نعتذر؟"، بتمرير لوائح الطوارئ لإغلاق وسائل الإعلام الأجنبية، وتعزيز اللوائح الخاصة بمصادرة المعدات واعتقال المواطنين العاديين بسبب المنشورات التي تعتبر ضارة بمعنويات الجيش (15.10). تقوم الشرطة والشاباك الآن بحملة مطاردة قومية وحشية بسبب منشورات لمتصفحي الإنترنت العرب الفلسطينيين على شبكات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك عشرات الاعتقالات، بما في ذلك على سبيل المثال منشور يتضمن عبارة "العين تبكي على سكان غزة" أو صورة غرافيتي "القلب مع غزة" أو الاعتقال لمدة أسبوع بموافقة القاضي على منشور لمرشح لمنصب رئيس بلدية رهط عامر الهزيل الذي قدم تفسيرا بسيناريوهات مختلفة لاستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة — وتدخل وزير الصحة بوسو (شاس) أدى إلى إبعاد مدير وحدة العناية المركزة في مستشفى هاشارون بسبب منشورات تضمنت آيات من القرآن الكريم وحمامة حاملة ورقة زيتون (2.11). وينضم هذا الحدث إلى إجراءات الملاحقة القومية ضد العاملات والعاملين العرب في النظام الصحي — الذي يشكل العرب فيه 40٪ من القوى العاملة — والهجوم القذر الكهاني لـ"لا فاميليا" على مركز شيبا الطبي. وفي الخلفية، تعمل قوى اليمين المتطرف، بروح سياسة الحكومة، على مهاجمة المارة والعمال العرب. وفي نتانيا، قام حشد من مئات مؤيدي اليمين المتطرف، بمشاركة "النواة التوراتية"، بإثارة نفسهم بالنباح العنصري "الموت للعرب" (29 أكتوبر/ تشرين أول) وحاولوا مهاجمة الطلاب العرب، الذين اضطروا التحصين في سكن الطلاب حتى قامت قوة من الشرطة بإخراجهم من المدينة ولم تعتقل أياً من المخربين اليهود (ولم يسمح للطلاب بالعودة إلى السكن، وذلك تحت تأثير ضغوط من رئيسة البلدية فايربيرغ من حزب الليكود). وانتهت القضية دون وقوع إصابات، ولكن هناك أيضًا خطر حقيقي من تطور محاولات الإعدام دون محاكمة على مثلما حدث في مايو/ ايار 2021. خلال شهر أكتوبر/ تشرين اول، بين مواطني إسرائيل، يبدو أن حوالي 90٪ من السكان اليهود و98٪ من السكان العرب الفلسطينيين كانوا يميلون إلى معارضة العنف على أسس قومية تجاه المجموعة القومية الثانية في إسرائيل، على الرغم من أن حوالي النصف في كل مجموعة اعتقد أن الصورة في المجموعة الثانية معكوسة ('مركز اكورد'، 15.11). ومع ذلك، فإن رد الفعل القومي الشرس واضح بشكل خاص بين السكان اليهود ليس فقط في دعم الحرب وفي الواقع دعم الملاحقة على أساس قومي أو لمعارضي الحرب، ولكن أيضًا في التطرف في الدعم بين أقلية للعنف على أساس قومي ضد المواطنين العرب الفلسطينيين. إن عملية نشر الأسلحة، مع تسليم آلاف الأسلحة للمواطنين الإسرائيليين (19.10)، وإنشاء أكثر من 600 فرق حراسة من جنود الاحتياط في مختلف المدن، تزيد من الشق القومي وتفاقمه، وخطر الهجمات على خلفية قومية. توزيع الأسلحة غير مسبوق وقد أثار التحفظات حتى من القائد العام شبتاي وغيره من قادة الشرطة، الذين يشعرون بالقلق إزاء احتمال فقدان السيطرة في المستقبل. وبالإضافة إلى ذلك، في سياق الأزمة الاجتماعية الآخذة في التفاقم منذ ما قبل الحرب، فإن التوسع الكبير في توزيع الأسلحة في المجتمع الإسرائيلي سيزيد من خطر تدهور العنف في المجتمع بشكل عام، والعنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل خاص، ويمكنه أن يعزز العناصر المعادية للمجتمع من العصابات والجريمة المنظمة. في ظل وتأثير أزمة الحرب وحمام الدم في غزة، تتفاقم وتتطور أزمة اقتصادية واجتماعية في إسرائيل، وحكومة نتنياهو-غانتس-بن جفير تواصل ممارسة الهجمات الاقتصادية على الطبقة العاملة. إن الدولة الرأسمالية، التي حشدت مواردها على نطاق واسع للهجوم العسكري على السكان في قطاع غزة، لم تكن مستعدة لتقديم الحد الأدنى من الاستجابة لاحتياجات الفئات التي تأثرت في إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين اول — وهذا خصوصا بسبب تأثير اجراءات تجفيف وخصخصة خدمات الرعاية الاجتماعية، بالإضافة إلى جوانب التمييز. من بين أمور أخرى، في القرى البدوية غير المعترف بها (التي يتم تجريمها) في النقب الغربي، حيث قُتل أطفال وبالغون، وجُرح كثيرون واختُطف البعض، كان رد سلطات الدولة أكثر خزيًا، ولم يتم إجلاء السكان إلى الفنادق، ولكنهم اضطروا إلى الفرار بشكل مستقل إلى مخيمات الإقامة المؤقتة. تم توفير جزء كبير من الاستجابة الأولية للفئات المتضررة من خلال حشد التضامن بين الناس العاديين، اليهود والعرب وغيرهم، بدءًا من إنقاذ الناجين من الحفلة، وحتى ترتيبات الإسكان، والغذاء والمساعدة الطبية والنفسية. وبينما وقفت قيادة الهستدروت (النقابة العامة للعمال) على الجانب، رأت مجموعة من الجمعيات المؤسسية، بما في ذلك التنظيمان السياسيان "إخوة السلاح" و"نساء تبنين البديل" اللذان شاركا في الحركة الاحتجاجية ضد "الانقلاب القضائي"، أدركا أن مهمتهما هي ملء مؤقت للفراغ في نظام المساعدات الحكومية، وحتى انضمامهما لدعم الهجوم الوحشي على غزة. لم تنظم المنظمات المذكورة خطوات نضالية لاستثمار الموارد الضرورية مباشرة من جانب الدولة وعلى حساب رؤوس الأموال، ولم تعمل على فضح السياسة التي أدت إلى الأزمة الدموية، وعند الامتحان وعلى المستوى الجوهري، فإنهم يقفون إلى جانب الحكومة فيما يتعلق بالحرب. وفي الوقت نفسه، لجأت الحكومة الإسرائيلية ورؤوس الأموال إلى الاستغلال الساخر للتضامن الاجتماعي الأساسي بين الطبقة العاملة والطبقات الوسطى من أجل الاعتماد بشكل منهجي على قوة العمل التطوعية، أي على حساب العمال والجمهور العام. وتضمنت الظاهرة دعوة في نظام الصحة النفسية إلى "التطوع مع الإلتزام" يستمر لعدة أسابيع أو أشهر (19.10)، بسبب النقص الشديد في المعايير، وهو ما وضح أيضًا قبل أيام قليلة قبل بدء الحرب في التقارير التي تفيد بأن عمل مستشفيات الطب النفسي الحكومية المستمر موضع شك. بالإضافة إلى ذلك، فإن الافتقار إلى الإشراف والتدريب المهني في نظام المساعدة النفسية المرتجل لا يُترجم إلى مستوى غير كافٍ فحسب، بل أيضًا إلى اعتداءات واصابات إضافية لدى السكان الذين تم إجلاؤهم، مع وجود خطر خاص على الفتيات والأطفال والشباب في الفنادق التي تم نقلهم إليها. وحتى 10 نوفمبر/ تشرين ثاني، تم تعطيل حوالي 18٪ من القوى العاملة الإسرائيلية بسبب التجنيد الاحتياطي، والإخلاء من المناطق الحدودية، والاضطرابات في نظام التعليم والصناعات مثل السياحة والترفيه (6.11). وأدت الحرب إلى ارتفاع حاد في عدد المطالبين بإعانات البطالة بنحو 150 ألفاً، بينهم نحو 100 ألف أُخرجوا لإجازة غير مدفوعة الأجر قصرا، ويستمر هذا الارتفاع على الرغم من تباطؤ وتيرته في النصف الثاني من نوفمبر (26.11). 59٪ من إجمالي المطالبين بإعانات البطالة هم من الشباب والشابات الذين تتراوح أعمارهم بين 20–40 عامًا. في الوقت نفسه، استغلت شركات التسويق الوضع لتستفيد ماليا من موجة ارتفاع الأسعار، حتى عندما امتنع الموردون عن ذلك، حتى أن صاحب رأس المال رامي ليفي نظم لنفسه "عمالاً متطوعين". وقام وزير الاقتصاد الملياردير نير باركات بمساعدة رؤوس الأموال في المجال، حيث أعفى شركات التسويق من واجب علامة الأسعار على المنتجات (14.11). إن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تتطور في ظل الرأسمالية الإسرائيلية، بالإضافة إلى أزمة الحرب، تغذي في حد ذاتها الغضب ضد الحكومة ورؤوس الأموال، وبالتالي تضعضع إلى حد ما حملة الطبقة الحاكمة من أجل "الوحدة الوطنية". وفي أماكن العمل والجامعات، تقوم الحكومة وأصحاب العمل والمدراء والعناصر القومية المتطرفة بدعم الملاحقة القومية، بما في ذلك عناصر المؤسسة "الليبراليين" الذين، حتى آونا، استغلوا الحركة الجماهيرية ضد "الانقلاب القضائي"، وهم الآن قوة خاضعة ومعادية للديمقراطية ومعبأة في خدمة آلة حرب للرأسمالية الإسرائيلية، حتى لو كان بعضهم مترددا في دعم وزراء في الحكومة. في حين أن القيادة اليمينية المؤيدة للرأسمالية للهستدروت العام بقيادة بار دافيد تقود تعاونًا نشطًا مع حملة المطاردة، فإن مهمة ممثلي العمال والعاملات وناشطين وناشطات نقابية، الملتزمين بمصالح العمال من جميع المجتمعات والفئات، هي السير ضد التيار والإصرار على البديل. وهذا تذكير آخر بضرورة النضال المستمر على غرار النضال الطبقي الأممي في صفوف العمل المنظم، بما في ذلك السعي لتشكيل كتلة من اليسار العريض، وأعضاء اللجان، والعمال والعاملات، وخاصة نقابة الهستدروت، بهدف أن تكون المنظمات العمالية أدوات نضالية مستقلة في خدمة مصالح العمال، بما في ذلك ضد سياسات "فرق تسد" والملاحقة والحروب. يجب مطالبة كافة اللجان والنقابات والروابط المهنية في كافة فروع الاقتصاد الإسرائيلي، وكذلك المنظمات العمالية الاحتجاجية ضد "الانقلاب القضائي"، بالتدخل بشكل فعال وصارخ حيث لا لبس فيه، ضد الملاحقة القومي وضد العنصرية وضد سياسة "فرق تسد"، بما في ذلك من خلال نشر بيانات الرأي وعقد المجالس، مع التأكيد على أن الهجمات المناهضة للديمقراطية والعنصرية تحت رعاية الحرب يجب أن تُقابل بجدار من التضامن وأن تُفهم بشكل أساسي كالاعتداء على حقوق وظروف الجميع في مكان العمل والدراسة. أمّا المهمة المطلوبة بالنسبة للحركة العمالية واليسار ليست فقط معارضة الاضطهاد وسياسة "فرق تسد" في ظل الحرب، والهجمات الاقتصادية على العمال والعاملات في ظل الحرب، إنّما بالضرورة أيضًا لدفع النضال من أجل وقف الحرب نفسها، كجزء من النضال من أجل تغيير عميق في واقع الحياة. إن حركة النضال الاشتراكي ملتزمة بهذا وستستمر في العمل على هذا الأساس.
إن الأزمة التاريخية تتطلب النضال من أجل حل جذريإن الاضطراب في الوعي، بتناقضاته، لدى الجماهير الإسرائيلية مستمر منذ 7 أكتوبر/ تشرين اول، وخاصة عندما دوت صافرات الإنذار بترددات عالية في الشمال وفي إيلات أيضاً. وعلى الرغم من الحملة من أجل "الوحدة الوطنية"، فإن الأزمة لا تتحدى فكريا أوهام "إدارة الصراع" فحسب، بل تتحدى أيضًا، إلى حد ما، الأسطورة التي طوّرتها الصهيونية بأن دولة إسرائيل الرأسمالية من المفترض أن تكون المكان الأكثر أمانًا لليهود في العالم — الوعد الذي حذّر منه اليسار الماركسي تاريخياً بأنه لا يؤدي إلى كارثة للفلسطينيين فحسب، بل أيضاً إلى حلقة من سفك دم الطبقة العاملة اليهودية. وفي سياق القمع الوطني والرأسمالية والإمبريالية، لا يوجد أساس لبديل جوهري لملايين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولا بد من النضال لحل المشاكل من الجذر. انعدام الثقة في الحكومة الإسرائيلية، بالإضافة إلى أن القادة العسكريين، على الرغم من "الفشل الاستخباراتي"، لا يجذبون شدة الانتقادات الموجهة للحكومة، لا يعكس فقط الرجعية القومية، ولكن أيضا استنتاجا أوليا، وإن كان متناقضا، بين الجماهير الإسرائيلية بأن جذور الأزمة سياسية وتتطلب استجابة سياسية. كما ذكرنا، الثقة في غانتس وحزب "المعسكر الوطني" هي ظاهرة مؤقتة، تعكس في المقام الأول انهيار الدعم لكتلة نتنياهو، وليس تحولا في الدعم بسبب اختلافات في السياسة، في حين أن الاختلاف في كل الأحوال ليس جوهريا بالنسبة لحزب الليكود. بالنسبة للطبقة الحاكمة الإسرائيلية، فإن الاحتمال الناشئ حاليًا لصعود حكومة إسرائيلية من "المركز-اليمين" بعد الحرب، بدون نتنياهو، قد تعتبر فرصة لمحاولات جديدة لتحقيق استقرار الرأسمالية الإسرائيلية ونظام الاحتلال. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى أزمات دموية جديدة. إن الحل السياسي الحقيقي لا يمكن أن يأتي نتيجة لمزيد من الصفقات بين الأوليغارشيات في المنطقة، بل فقط نتيجة نضال ضدهم وضد الأجندة التي أدت إلى العاصفة الدموية. إن الطبقة العاملة في جميع أنحاء المنطقة وعلى جانبي الشق القومي قادرة على تقديم مخرج عندما تشكل بشكل موضوعي القوة المحتملة القادرة على الإطاحة بالأنظمة القمعية والطبقات الحاكمة وتؤدي إلى تغيير جذري في المجتمع. في مواجهة السياسات القومية الكارثية المؤيدة للرأسمالية، من الضروري أن نضع على جدول الأعمال أفكارًا لنضال أممي وطبقي واشتراكي على جانبي الشق القومي — بما في ذلك تعزيز خطوات بناء أحزاب نضالية جماهيرية حول هذه الأفكار. إن النضال من أجل إنهاء الحرب هو جزء من النضال من أجل إنهاء الحصار والاحتلال. إنها في الأساس جزء من نضال عابر الحدود من أجل التغيير الاشتراكي. إن برنامج التغيير الاشتراكي، المتجذّر في منظور النضال الدولي للطبقة العاملة في المجتمع، يعزز مقاومة العدوان الإمبريالي ضد الأمم، والدفاع عن حق الأمم في الوجود على قدم المساواة دون غزو واستعباد، وممارسة حقها في تقرير المصير، بما في ذلك الاستقلال الوطني. إن التغيير الاشتراكي ضروري لتمهيد الطريق أمام إرساء الشروط الأساسية التي تمكن من تحقيق ذلك، وتضمن حق متساويا لجميع الأمم في تقرير مستقبلها، مع تطوير علاقات دولية متناغمة، وتسخير الموارد اللازمة لضمان الصالح العام على أساس ديمقراطي قائم على المساواة. تناضل حركة النضال الاشتراكي من أجل إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية اشتراكية متساوية الحقوق تمامًا، إلى جانب إسرائيل ديمقراطية اشتراكية، مع عاصمتين في القدس والمساواة الكاملة في الحقوق للأقليات، كجزء من كونفدرالية إقليمية اشتراكية. لن تكسرنا الفظائع والقمع. إنها توضح ضرورة النضال من أجل الأفكار الوحيدة التي توفر الأفق والأمل. سنعمل على تعزيز هذه الأفكار مع الالتزام ببناء المقاومة والنضال ضد حمام الدم في غزة، وضد حكومة الكوارث الإسرائيلية، والرأسمالية الإسرائيلية وكل أحزاب المؤسسة التي تخدمها واليمين المتطرف الذي تطوره، وضد الطبقات الحاكمة التي تواصل بتدهور الجماهير في جميع أنحاء العالم إلى هاوية جديدة من الكوارث والقمع والضيق وجحيم الحروب والمجازر والدمار والفجيعة على نطاق هائل.
| ![]() نازحين فلسطينيين بالطريق إلى جنوب القطاع (محمد زعنون، أكتيفستيلس) المقالات الأخيرة في الموقع |