الشرق الأوسط المحادثات والصراعات الإقليمية تعكس المأزق الجديد ![]() التنظيم العمالي المستقل ضرورة 1,668
في 14 آب، اليوم الذي انتهت فيه حرب اسرائيل على لبنان في عام 2006، سوف يعقد حزب الله اجتماعات حاشدة في هذه الذكرى وستتصاعد اللهجة في الرد على الحكومة الاسرائيلية بعد تهديداتها المستمرة عن وقوع هجوم جديد. هذه التهديدات قد تزايدت منذ توجيه باراك اتهامات للحكومة اللبنانية بأنها مسؤولة عن استمرار تسلح حزب الله. ويجري هذا التصعيد في فترة محادثات بين القوى الإقليمية ويستخدم كبطاقة مناورة في تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة. لبنان، ثلاث سنوات منذ آخر حرب اسرائيليةسيكون 14 آب الذكرى الثالثة لما يسمى "نصر حزب الله على العدوان الإسرائيلي على لبنان في عام 2006". وكان الهدف من هذه الهجمات، كما اعترف أولمرت في وقت لاحق، سحق حزب الله أو إضعافه وعزل المقاومة الإسلامية المسلحة في بلد مقسم بالفعل. ولكن حزب الله، الشيعي بالأكثرية، اصبح يقود المعارضة مع التيار الوطني الحر الشعبي والمسيحي بالأكثرية، ونما أقوى عسكريا، واكتسب الدعم الجماهيري في انحاء لبنان نتيجة لذلك، ويُنظر الآن إليه على أنه قوة مقاومة لا تُهزم في مواجهة الاحتلال المدعوم من الغرب والقوى العظمى في المنطقة. وعلاوة على ذلك، وفي وقت تشكيل الحكومة اللبنانية، اعلن جنبلاط، زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، الدرزي بالأكرية، انه سيغادر كتلة الحريري، وأعرب عن دعم كبير لحزب الله. و هذا قد عزز المعارضة وقلب توازن القوى في لبنان بعد الانتخابات. جنبلاط انعطف واشتكا من أن كتلة الحريري دفعته إلى أقصى اليمين، واصبح الآن يتحدث عن المقاومة واليسار والصراع الطبقي. وعلى الرغم من أنه يقود حزب والده، مما نُظر اليه تاريخيا كحزب يساري، فجنبلاط ليس اشتراكي وليس مناضل للطبقة العاملة. فهو شبه اقطاعي وزعيم طائفي للدروز في لبنان، وله تاريخ كأحد أمراء الحرب. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة هي صدى عن موقف انتهازي من قبل أعضائه في البرلمان، وتنبع من خوف قائم اليوم عند قطاعات من النخبة، أن القوى الإقليمية ستترك زعماء الأقليات في تفاوضاتها في فترة الركود الاقتصادي الذي يمكن أن يؤدي إلى انتقال الجماهير باتجاه نضالات مستقلة. ولكن الأهم من ذلك هو أن هذه الخطوة تعني الآن أن كتلة الحريري (14 آذار) المدعومة من السعودية، ستصبح، نتيجة لهذا الانقسام، أقلية في مواجهة المعارضة التي يقودها حزب الله، مما يعني إلغاء نتائج الانتخابات الأخيرة ونهاية 14 آذار. اذا لم يستقل الحريري نتيجة لذلك، فهو الآن معتمد على أصوات الأغلبية السنية و اليمين المتطرف المسيحي الغير شعبي. الإسنقسام الجماهيري في المجتمع اللبنانيطوال السنوات الثلاث الأخيرة، يقود حزب الله معارضة شعبية مكونة من أطراف تصارع امبريالية الغرب في المنطقة سياسيا وحتى اقتصاديا إلى حد ما. هذا هو الحال في الغالب من حيث الدور الذي قامت به المعارضة في عرقلة سياسات الخصخصة لمدة 3 سنوات. ولكن كما رأينا في الانتخابات الأخيرة، ومع تحديد واضح في الانقسام بين السنة والشيعة في البلاد، لم يتمكن حزب الله من مناشدة جميع شرائح الطبقة العاملة لخلق وحدة للعمال والفقراء ضد الحرب والفقر. وذلك لأن حزب الله، على الرغم من كونه منظمة جماهيرية، هو ليس تنظيم للطبقة العاملة، ولكن تقوده نخبة شيعية رجعية، تربطها روابط قوية مع نظام أحمدي نجاد الشعبوي الرجعي في ايران. ومع ذلك، يلقى حزب الله تأييدا واسعا من أغلبية الشيعة اللبنانيين ومن عدد آخر، ويُنظر اليه على انه القوة الوحيدة التي تقف في وجه اسرائيل والولايات المتحدة الامبريالية. بطبيعة الحال، اليمين المتطرف الاسرائيلي ليس ضد هجوم آخر على حزب الله الذي يشكل خطرا على "اسرائيل الكبرى" وأهدافها. ولكن، على الرغم من ان حزب الله يشكل خطرا على رأسمالية اسرائيل في المنطقة وعلى مصالحها الاقتصادية وخاصة فيما يتعلق باحتياطيات المياه في جنوب لبنان وسوريا، الا ان الحكومة الاسرائيلية تشن حرب نفسية في هذه المرحلة. هذا يهدف الى ممارسة الضغط في الوقت الذي تجري المحادثات بين القوى الإقليمية — المملكة العربية السعودية ومصر مع سوريا. أوقات هادئة وغير مستقرةلأول مرة منذ سنوات عديدة، يخطط رئيس امريكى لزيارة سوريا، وهذا بعد أن قبل باراك أوباما دعوة الأسد قبل أسابيع قليلة. وفي حين تشكيل الحكومة اللبنانية، تحاول المملكة العربية السعودية المدعومة من الولايات المتحدة وسوريا المدعوم من ايران التفاوض على اتفاق. هذا يحدث أيضا ليتزامن مع الفترة التي أعقبت الحركة الجماهيرية في ايران ما بعد الانتخابات و برز نظام أحمدي نجاد أضعف وفي أزمة. ولكن على الرغم من أن ما يسمى العصر الجديد مع أوباما يعني مفاوضات بهدف تشكيل تحالفات جديدة في الشرق الأوسط، فهو من الممكن أن ينشأ صراع جديد نتيجة عدم توصل القوى الاقليمية الى اتفاق. ستكون النتيجة تجديد في التضارب في المصالح بين القوى الإقليمية، مع تحول الاهتمام من جديد مرة أخرى الى المسائل الوطنية والسياسات الخارجية، وخصوصا في المجتمعات المنقسمة، مثل لبنان وفلسطين وايران. هذه هي البلدان التي تواجه أكبر انقسام جماهيري في مجتمعاتها، والذي يمكن أن يؤدي إلى استقطابات واحتجاجات واسعة، مثل تلك التي ظهرت في لبنان بعد وقت قصير من حرب 2006. في حالة عدم وجود بديل عمالي للحروب والفقر، يمكن لقوى أخرى، وذلك باستخدام الشعارات الشعبوية، الاستفادة من هذه التحركات. الاحتجاجات الجماهيرية في لبنان، التي هي أساسا حول المسائل الاقتصادية والوطنية، كانت منقسمة على أسس طائفية، ممل ادى الى زيادة التقسيم السني الشيعي. لكن مع الركود في الاقتصاد الدولي، تحتاج الولايات المتحدة وأمراء النفط للاستقرار، وخاصة في العراق، أثناء وبعد "انسحاب" القوات الامريكية. الديمقراطيون يرغبون في أن يتركوا وراءهم عراق مستقرة، مع صناعة نفط ظاهرة، بعد أن أرس بوش أرضية العمل بالفعل من خلال جلب الشركات الكبرى في قطاع النفط والصناعات الأخرى. ولكن مع عدم الاستقرار في المنطقة، وعدم تحقيق أرباح من استثمارات الشركات الكبرى الجشعة والوحشية، يحاول أوباما الآن لعب ورقة السلام، وبالتالي انسحاب "رسمي" للقوات العسكرية الأمريكية من المدن العراقية، والانتخابات الكردية، وفتح حوار مع سوريا، والصمت الحالي حول الاسلحة النووية الايرانية وحول الحركة السياسية التي هزت نظام أحمدي نجاد. وبالتأكيد، من الممكن لهذا النظام نفسه الذي أصبح أضعف اليوم نتيجة تهديد داخلي من قبل الجماهير بعد أن انتقلت إلى التحرك ضده والذي لديه مخاوف من صراع سني شيعي على حدوده مع العراق خلال انسحاب الجيش الأمريكي، أن يدخل في محاولات جديدة للتفاوض مع الولايات المتحدة. من الممكن أيضا أن يكون لدى هذه المفاوضات اهتمام بالتوحيد المصالح لدى الطبقات الرأسمالية إقليميا ودوليا لتأمين انسحاب الولايات المتحدة، ولكن أيضا للضمان أن ايران، السلطة الاقليمية الشيعية، لديها بعض التأثير في عدد من المحافظات التي يقودها الشيعة في العراق. الحكومة الامريكية تهدف الآن الى ابرام صفقات مع قوى مقاومة في المنطقة، والقوة الوحيدة التي ترفض المفاوضات في هذه المرحلة هي حزب الله. كان هناك دعوات من قبل وزير الدفاع الاسرائيلي باراك للنظام السوري لوضع حد لدعمه المباشر لحزب الله في مقابل مرتفعات الجولان. وعلى الرغم من أنه من غير المرجح ان اسرائيل ستتخلى عن مرتفعات الجولان بهذه الطريقة، فهذا يذكرنا بالحقيقة أن الرأسمالية السورية لديها مصالحها في المنطقة. وهناك مخاوف عند المعارضة في لبنان حول تقبل الأطراف المدعومة من الغرب بالخطة المدعومة من الغرب وإسرائيل والتي تتضمن اعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في المنطقة وحرمانهم من حق العودة. ويحاول اوباما الاقتراب من حماس الذي هو الآن على استعداد للحوار نتيجة استمرار الحصار ونتيجة عدم تنظيم وتحرير الجماهير الفلسطينية في غزة. وعارض أوباما علنا، ولكن دون فاعلية، بعض سياسات نتانياهو تجاه الفلسطينيين، مثل التوسع المستمر للمستوطنات اليهودية في الاراضي الفلسطينية. حاليا، إن الأطراف الفلسطينية أضعف نتيجة انقسماتها الى فصائل عديدة. وهناك مواجهات منتظمة داخل الأراضي الفلسطينية وداخل المخيمات في لبنان. هذه الانقسامات بين الفلسطينيين، وبين اللبنانيين، هي مؤشرات قوية من مخاطر اندلاع الحروب الأهلية في جميع أنحاء المنطقة. انقسامات طائفية وطبقيةويظهر هذا أيضا ضعف الاحزاب الطائفية في موقفها لتحدي الامبريالية حقا، رغم محاولة البعض منها في بعض الأحيان إعلان مناهضته للامبريالية. وقد كُشف هذا خاصة في الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، حيث لم يتقدم أحد منهم بأي بديل للفوضى ولوحشية النظام الرأسمالي. في لبنان، هناك مزاج استياء كبير بين جميع قطاعات الطبقة العاملة، وهناك شعور بأن اذ اتفق الساسة الذين هم الآن في محادثات، فهذا يعني توحدهم ضد الفقراء، لأنهم جميعا لا يرغبون في معالجة القضايا الاقتصادية الفورية. ولا تزال تتصاعد تكاليف المعيشة في لبنان، وخصوصا أسعار المواد الغذائية والوقود. وتقول الحكومة ان هذا الارتفاع في الأسعار هو زيادة في ضريبة القيمة المضافة وهو للمساعدة في سداد الـ55 مليار دولار من الديون العامة التي ما زالت تتصاعد. وعلى الرغم من أن المعارضة وقفت في وجه سياسات الخصخصة في أجزاء من القطاع العام، فإنها لا تعترض على الخصخصة بشكل عام، ولكن فقط على تلك الإصلاحات التي تطرحها كتلة الحريري الليبرالية الجديدة المدعومة من الغرب، والتي تشمل خطط للمزيد من هذه السياسات كالبيع الى الشركات الدولية الكبرى. الأطراف القائدة في المعارضة، وليس أقلها التيار الوطني الحر المسيحي الشعبي، ليسوا مناضلون للطبقة العاملة. لسنوات عديدة، واجه عمال الصناعة والمدرسون موجة من الهجمات على أوسع نطاق. ولكن في هذا الحين جميع أطراف المعارضة قد استخداموا هذه القضايا لمجرد مصالح طبقتهم الخاصة. هذه الهجمات هي لا شيء سوى بداية البرنامج الليبرالية الجديد الوحشي، ما يعني حل حقوق العمال، وإيجاد نظام لتعاقدية المعلمين، وجذب الشركات الكبرى العالمية لشراء الشركات الحكومية المتعطشة من قلة التمويل، مثل شركات المياه والكهرباء المملوكة للدولة، بأسعار رخيصة. في كثير من الأحيان قد حدثت إضرابات عن العمل بشكل مستقل وعفوي، وكانت هذه التحركات في هذه المرحلة تفتقد قيادة مناضلة وبرنامج بديل. ولا يوجد حزب للعمال والفقراء يطرح خطة اقتصادية بديلة للتعامل مع القضايا الطبقية مثل البطالة التي وصلت الى 35 ٪ من القوة العاملة. وعلى الرغم من أن الجماهير عبر كل الانقسامات الطائفية في أمس الحاجة إلى قيادة توفر لهم وسيلة للخروج من هذا اليأس، وهم يبحثون عن بديل للحروب والفقر، فهناك الآن أقل من الأوهام اتجاه كل من قطاعات النخبة اللبنانية. محاولات اوباما المبذولة بالجهود العديمة الفائدة للتوصل الى اتفاق بين الطبقات الحاكمة والإقليمية لا تعطي الجماهير الفقيرة فى الشرق الاوسط اي امل بأن الامور ستتغير بالنسبة لهم. الديمقراطيون في الولايات المتحدة والاحزاب الرئيسية في العالم العربي، هم مهتمون فقط بخدمة مصالح الأعمال التجارية الكبيرة والغنية في المنطقة. الحاجة للاشتراكيةهذا الفراغ في التمثيل السياسي للطبقة العاملة يعني أن العمال، في حالة عدم وجود حركة عمالية ونضالات طبقية، يتجهون الى زعماء الطوائف في وجه التوترات الطائفية والبطالة. ولكن في ظل الأزمة الاقتصادية على أعتابنا، ومع غصب الطبقة العاملة لدفع ثمن فشل الرأسمالية، كما يظهر بوضوح في مصر وإيران، سوف تنظر الجماهير الى تنظيم نفسها بشكل طازج ومستقل في حال اليسار التقليدي والنقابات ليست على استعداد للوقوف والمواجهة. في مصر أظهرت الطبقة العاملة الطريق إلى الأمام عندما بدأ العمال بالتحضير للصراعات المستقبلية من خلال نقابة مستقلة. فاللجنة لأممية العمال الـCWI تشدد دائما على أن القوة الوحيدة المهتمة والقادرة على تشكيل مجتمع يحقق تطلعات الجماهير في المنطقة، هي الطبقة العاملة والفقراء من جميع الطوائف والأعراق والجنسيات. ونحن ندعو إلى حركة اشتراكية في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط، حيث حقول النفط والغاز والموارد المائية — ثروة المنطقة — يمكن تأميمها، وأن يكون الاقتصاد مخطط ديمقراطيا من أجل بناء بديل للأزمات والحروب والفقر المستمر. في حين أن الظروف المعيشية تتدهور، ومئات الملايين يعيشون في فقر مدقع في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ستنشأ تحركات عمالية حتى لو كانت الأنظمة قمعية — كما رأينا في ايران — ومناضلون جدد سيتقدمون وقادة للطبقة العاملة جديدة ستبرز، وستُستلخص استنتاجات اشتراكية. بل يمكن أن تشكل نقابات جديدة في حال القديمة كانت غير مستعدة لتمثيل تنظيم الطبقة العاملة. والخبرات والتجارب ستساعد في تمهيد الطريق لبناء منظمات سياسية عمالية مستقلة. مثل هذه الخطوات يمكنها أن تكون الأساس لبناء أحزاب عمالية جماهيرية، وتطوير التضامن بين العمال عالميا، من أجل بناء حركات اشتراكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. الاشتراكية هي ضرورة من أجل تحرر الجماهير ومن خلالها يمكن بناء مجتمع غير طبقي وجديد، حيث قد نبدأ في النظر الى امكانيات بشرية متزايدة. | ![]() المقالات الأخيرة في الموقع |