لنتنظم ونُضرِب — ضد حرب الإبادة، ضد آفة الجريمة، ومن أجل إعادة الإعمار والعيش الكريم
كفى للجرائم ضد النساء: لا لاستئناف الحرب! لا للاحتلال، التهجير والجريمة!
الرئيسية
من نحن
متطلباتنا
مؤتمر الاشتراكية
للاتصال بنا / للانضمام
للتبرع تضامنا معنا
دفع رسوم العضوية
الحركة العالمية
أرشيف المقالات
للاتصال بنا
شكراً جزيلاً!
لقد تم إرسال الرسالة، رائع، سنحاول التواصل معك في أقرب وقت ممكن.
بيان
الاحتجاج الجماهيري والإضراب العام كبحوا جماح الحكومة لكن التهديد لا يزال قائما
المطلوب بناء بديل سياسي يقف في مواجهة ازمة النظام الرأسمالي والاحتلال■ بيان اعتمدته حركة النضال الاشتراكي في اجتماعها القطري
556

556

إجتماع قطري جمع أعضاء حركة نضال اشتراكي، عُقد في تل أبيب يومي 23–24 من شهر حزيران الماضي. في خضم فترة مضطربة وبعد أن شاركت الحركة وخلال عدة أشهر في سلسلة من النشاطات المكثفة في الميدان وفي عدة محاور، بما في ذلك المشاركة كقوة اشتراكية في حركة الاحتجاج الجماهيرية، في المظاهرات ضد الاحتلال، في نشاطات الهستدروت الاحتجاجية على غلاء المعيشة، في نضالات الحراك النسوي، في نشاطات أعضاء مجتمع الميم وضد ما يتعرض له العابرين/ات جنسيًا من قمع.

خاضت الحركة نقاشات عدة حول التطورات وحول وجهات النظر على المستويات العالمية والإقليمية والمحلية، بشأن جوانب النهج والمطالب كجزء من برنامج التغيير الاشتراكي. إستعرض عضو السكرتارية في الحركة الدولية (التي تشارك فيها حركة نضال اشتراكي) أمام الاجتماع القطري الموازنة العامة للنشاطات على المستوى الدولي وفي مناطق مختلفة. وبناء على المناقشات والتفاهمات السياسية، التي ناقشها الاجتماع اُتخذت قرارات تنظيمية للفترة المقبلة. الوثيقة المعتمدة في الاجتماع، والتي هي جزء من وثيقة أكثر شموليةً أعدت للاجتماع، يتم تقديمها مع تعديلات طفيفة في التحرير.

كشفت الحركة الجماهيرية التي اندلعت في المجتمع الإسرائيلي ضد تهديد "الانقلاب القضائي"، والتي بلغت ذروتها في الإضراب العام في آذار الماضي، محدودية قوة الحكومة الرأسمالية الأكثر يمينية التي تشكلت في دولة إسرائيل. من المسلم به أن هذه الحركة عابرة للطبقات، حيث أخضعت فيها التطلعات الجماهيرية للتغيير إلى الأجندة الرجعية لرأس المال والجنرالات المتقاعدين — الذين تمثل شعاراتهم حول "الديمقراطية" غطاءً للسعي لتحقيق الاستقرار في استبداد تسلط رأس المال والاحتلال. ومع ذلك، فإن العناصر التقدمية، من المعارضة الجماهيرية الصلبة والمستمرة ضد تحرك النظام الإسرائيلي في اتجاه أكثر سلطوية وأكثر رجعية، ضيقت من خطوات الحكومة.

وبرزت هذه العناصر في الأخص في منظمات العمال والعاملات في حركة الاحتجاج، متجاوزة آليات النقابات. وكذلك، في الترويج للعديد من اللافتات النسوية وأعلام الكبرياء لمجتمع الميم وحقوق المتحولين، جنبًا إلى جنب مع المعارضة لبن جبير والمستوطنين اليمينيين المتطرفين والقومية المتطرفة والإكراه الديني — حتى لو كان ذلك بطريقة متناقضة، مع تأثير الرسائل اليمينية التي رفعها عناصر آخرين من المؤسسة — أوضحت أن النضال من أجل "الديمقراطية" بالنسبة لفئات عريضة يمس قضايا اجتماعية واسعة.
إن حكومة "اليمين الكامل"، التي حصلت على أقل من نصف الأصوات في صناديق الاقتراع وسعت بغطرسة لاستغلال الأغلبية الضيقة في الكنيست للقيام بالاستيلاء على السلطة، تغرق في أزمة حول شرعيتها ما دفعها إلى تبني موقف دفاعي والى انقسامات في المواقف بين الشركاء في الحكومة. لعب النضال الجماهيري وقوة العمل المنظم دورًا حاسمًا في لجم الإصلاح القضائي المضاد وسلسلة أخرى من الانتهاكات، بما في ذلك حل هيئة الإذاعة العامة، وانتهاك الحق في الإضراب، وتشريع زيادة التمييز. في الوقت نفسه، كان التراجع في هجوم بن غفير على أوضاع الأسرى الفلسطينيين بعد التهديد بإضراب جماعي عن الطعام بسبب التخوف في المؤسسة الإسرائيلية من إمكانية حدوث احتجاج فلسطيني جماهيري.

إن محاولة نتنياهو لإظهار تماسكه أمام الحركة الجماهيرية الإسرائيلية وفي مواجهة معارضة داخل الطبقة الحاكمة، وتمرير قانونا للسيطرة على لجنة تعيين القضاة "فقط"، كل هذا أدى إلى إعلان الإضراب العام. وهذا ما دفع بذلك التحالف الحكومي إلى حافة التفكك والتراجع التكتيكي والدخول في المفاوضات في مقر رئيس الدولة. ان الصمغ الذي يربط أعضاء الائتلاف معا هو خوف مبرر من الهزيمة في سيناريو انتخابي، في ظل أزمة غلاء المعيشة، وأزمة اجتماعية وصراع قومي دموي. التحريض القومي والديماغوجية الأمنية، جنبا الى جنب مع الشعبوية اليمينية في مواجهة مؤسسات الدولة الرأسمالية، وفي التحدي الكاذب للمصارف وعمالقة الغذاء والتسويق، فشلت في منع الانهيار الساحق في دعم الليكود" في الاستطلاعات، كما فقدت الأحزاب اليمينية المتطرفة الزخم في الوقت الحالي."


والآن، تهدد الحكومة الضعيفة والمنقسمة باستئناف الإجراءات التشريعية حتى نهاية تموز، يقودها الجناح المرتبط بوزير العدل ليفين، مع الاعتماد على تباطؤ الحركة الاحتجاجية منذ تجميد الخطة القضائية. ولكن، إن أي محاولة في مثل هذا الاتجاه ستقابل بتصعيد متجدد في الاحتجاج الجماهيري ضد الحكومة، وستواجه كذلك بضغوط من الطبقة الحاكمة نفسها. وإذا ما تم عرض التشريع على الكنيست، هناك احتمال واضح للانقسام في الموقف على التصويت في الكنيست داخل الائتلاف، وقد يؤدي تصعيد المواجهة إلى سقوط الحكومة.
إن المعارضة البرجوازية الرسمية، بقيادة أحزاب "اليمين — الوسط" برئاسة غانتس ولبيد، والتي تطوعت للدخول في "مفاوضات" مع الحكومة بشأن النظام القضائي، لا تقدم أي بديل جوهري لسياسة الحكومة في ضوء أزمة غلاء المعيشة، والأزمة الاجتماعية التي تنعكس أيضًا في تصاعد العنف المجتمعي، وتفاقم آفة القتل في المجتمع العربي الفلسطيني، جنبا الى جنب مع الاحتلال، واستمرار التصعيد الدموي في الصراع القومي، وتزايد احتمالات حدوث حرب إقليمية. في الوقت ذاته تلقت حكومة "اليمين الكامل" دعما قويا من أحزاب المؤسسة من "المعارضة" على كل تهديداتها وتحركاتها العسكرية.

حسب هذا المبدأ دعمت هذه الاحزاب الحكومة في جولة التصعيد العسكري التي بدأتها بداية شهر أيار، باغتيال قادة في تنظيم الجهاد الإسلامي الفلسطيني في غزة — وهي جولة راح ضحيتها عشرات الفلسطينيين، بينهم أطفال، وذلك في القطاع الذي يرزح تحت وطأة الحصار الإسرائيلي — المصري، قتلت كذاك امرأة إسرائيلية من رحوفوت وعامل فلسطيني في النقب. في نيسان، بعد أن أرسلت الحكومة، خلال شهر رمضان، قوات مسلحة لمداهمة المسجد الأقصى، أشعلت سلسلة من التظاهرات بين الفلسطينيين وكذلك انطلقت التظاهرات في الأردن وتركيا وأماكن أخرى، ولكن جرّت ايضا إطلاق عشرات الصواريخ من جنوب لبنان وقطاع غزة. وكان رد زعيم المعارضة لبيد بتقديم "الدعم الكامل للحكومة".

في ظل هذا الواقع، لا تطرح القوى المنبثقة عن المؤسسة والتي تقود الحراك الاحتجاجي مخرجا لأزمة المجتمع الإسرائيلي، وتغطي على ذلك بمنافسة وطنية لذر الرماد في العيون في تبنيها لأغاني تمجد المؤسسة الرأسمالية والعسكرة، مع صرف الغضب الاجتماعي عن البنوك وأباطرة المال — والاحتلال المسؤول عن "عبء" الحرب المستمرة — وحرفه باتجاه المتدينين المتزمتين. لكن الحركة الاحتجاجية لم تتراجع عند أحداث تصعيد الصراع القومي. في الواقع، عندما ألغى "مقر حركة الاحتجاج" الاعتصامات الأسبوعية رداً على التصعيد العسكري في بداية أيار، انعكس عمق الاشمئزاز الجماهيري ضد الحكومة في حشد شريحة واسعة من التيار المركزي التي رفضت الانصياع. ورغم أن مظاهرات "الوسط" لم تخرج ضد الهجوم العسكري نفسه والحصار والاحتلال، إلا أنها تضمنت أصواتًا يسارية. مظاهرة اليسار في تل أبيب ضد القصف والحصار اندمجت مع مظاهرة "الوسط" دون توتر بينهما في الميدان.

وسبق ذلك، دوي شعار "أين كنتم في حوارة ؟!"، ردًا على تصاعد القمع البوليسي، في إشارة إلى هجوم المستوطنين في حوارة (26.2)، مما سلط الضوء على معارضة اليمين المتطرف كواحدة من الدوافع التحفيزية لتحرك ونشاط طبقات واسعة، حتى عندما لا تعبر الرسالة بالضرورة عن معارضة قاطعة للاحتلال. كان هناك تحول في الانفتاح على الرسائل من اليسار في المظاهرات. في البداية، وبعد اختطاف المبادرة من أيدي اليسار، كان هناك مؤيدو "يمين الوسط" الذين عملوا كعملاء للحكومة واعتدوا جسديًا على المتظاهرين الذين لوحوا بالأعلام الفلسطينية،، تعبيرًا عن معارضتهم للقمع القومي. وصعدت الحكومة من اضطهادها لحاملي العلم الفلسطيني، بما في ذلك مداهمة الشرطة للمظاهرات، لكن توسع الحركة إلى أبعاد جماهيرية أضعف إلى حد كبير الاعتداءات من جانب اليمينيين في حركة الاحتجاج. في بعض المراكز، مثل بئر السبع، تكلم المتحدثون الفلسطينيون أيضًا من على المنصة مباشرة ضد القمع القومي. وأصبحت الأصوات الداعية إلى ربط منطق النضال من أجل "الديموقراطية" ليشمل أيضا مقاومة الاحتلال، أكثر وضوحا بما في ذلك حركة النضال الاشتراكي والمنظمات في "الكتلة ضد الاحتلال".

التوترات الجيوسياسية

لقد عاد الصراع بين النظام الإسرائيلي ونظيره الإيراني الى الواجهة، وازدادت حدته بشكل خطير. رئيس المعسكر الوطني غانتس يقول إن في تقديره "الحاجة" لتوجيه ضربة عسكرية لإيران باتت أقرب من أي وقت مضى، في مثل هذا السيناريو، وعد غانتس مرارا وتكرارا الحكومة "بتقديم الدعم الكامل" لها. إن دور شبكة الأمان السياسي الجزئية التي يقدمها يمين الوسط للحكومة هو دفعها، إلى حد كبير، للعمل وفقا للمصالح الجيوستراتيجية للرأسمالية الإسرائيلية، في حين أن هذه الحكومة تثير معارضة غير مسبوقة داخل الطبقة الحاكمة، وخاصة من المؤسسة العسكرية والأمنية، التي تعتبرها في المقام الأول عاملا للفوضى.
جاءت عودة نتنياهو إلى السلطة بالتحالف مع اليمين المتطرف، بعد جولة انتخابات خامسة في أقل من أربع سنوات، وبعد انهيار حكومة كتلة التغيير اليمينية التي سعت لتكريس الوضع القائم. ويعتبر كل ما ذكر سابقا مؤشرا لأزمة النظام الرأسمالي الإسرائيلي ومحفزا لها. أزمة تغذيها انعكاسات الأزمات العالمية والإقليمية، في عصر يتم فيه تقويض النظام العالمي بسبب أزمة هيكلية في الاقتصاد العالمي والانفصال القومي في ظل "الحرب الباردة الجديدة" — السياق السائد الذي يتحكم بالعلاقات الدولية اليوم.

على خلفية "الحرب الباردة الجديدة" بين الولايات المتحدة والصين، والانحدار النسبي المستمر في مشاركة وتأثير الإمبريالية الأمريكية في المنطقة، تحدث تحولات أكثر أهمية في العلاقات الإقليمية المتقلبة. شكلت اتفاقية الانفراج بين المملكة العربية السعودية وإيران برعاية الصين مرحلة جديدة في تعزيز دور الإمبريالية الصينية في النظام الإقليمي. هذا التطور، بالإضافة إلى التقارب في علاقات تركيا مع إيران والأسد، وزيارات كبار مسؤولي النظام الإيراني إلى سوريا ولبنان، وعودة سوريا الرسمية إلى جامعة الدول العربية، كل هذه الأسباب مجتمعة تعتبر ضربة للمصالح الإمبريالية الإسرائيلية وسعيها لخلق جبهة معادية للوجود الإيراني في المنطقة. وقد يؤدي ذلك إلى تفعيل الضغوط لتضييق نطاق عمليات القصف الإسرائيلي في سوريا.

في الوقت ذاته، وبعد أن فشلت محاولات تجديد الاتفاق النووي الشامل، أقدمت إدارة بايدن على تحريك المحادثات مع إيران واقتراحها صفقة محدودة تتعلق بمسألة واحدة فقط، وذلك على الرغم من معارضة النظام الإسرائيلي: وقف تخصيب اليورانيوم مقابل الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك الأجنبية وفي صندوق النقد الدولي.

يبدو أن النظام الإسرائيلي يخشى أيضًا من ازدياد استعداد نظيره الإيراني لمهاجمة أهداف إسرائيلية، بما في ذلك من خلال وكلائه، في محاولة لتغيير ميزان الهجمات. لدى النظام الإسرائيلي سجل من هجمات التفاخر العسكرية الدموية تحت مسمى "استعادة الردع"، مستغلا في الوقت نفسه المخاوف الأمنية لدى السكان في اسرائيل، وكما ذكرنا فإن هذا الخطر في تزايد في الفترة الحالية.

الحرب في أوكرانيا

غذّت الحرب في أوكرانيا، وكجزء من الصراعات بين الإمبريالية العالمية، الصادرات العسكرية الإسرائيلية — مع الاتفاق على أكبر صفقة أسلحة في تاريخ إسرائيل. في الوقت نفسه، فإن الموقف شبه المحايد وغير المتسق للنظام الإسرائيلي، والذي يهدف إلى الحفاظ على العلاقة مع الإمبريالية الروسية، وبالتالي أيضًا الحفاظ على مساحة من التحركات العسكرية لإسرائيل في سوريا، يتآكل إلى حد ملموس، كون الصراع بين إسرائيل وإيران عامل رئيسي في هذه الديناميكية.

مارست الإمبريالية الأمريكية ونظام زيلينسكي ضغوطًا واضحة منذ بداية الحرب لنقل أنظمة الأسلحة الإسرائيلية إلى أوكرانيا، كجزء من حملة التسليح للدولة الأوكرانية من قبل الناتو. إن هذه الحملة لا تعزز السلام في المنطقة ولا تحرر الجماهير في أوكرانيا من الاستعباد الإمبريالي، ولكن قبل كل شيء فهي تصعيد خطير في الصراع الإقليمي والعالمي بين القوى الإمبريالية، وإخضاع دولة أوكرانيا للمصالح الإمبريالية الغربية.

إن مصلحة الطبقة العاملة من كلا طرفي الحرب وعلى المستوى الدولي هي معارضة سباق التسلح وأجندة القوات الإمبريالية من كلا المعسكرين في "الحرب الباردة الجديدة". هناك حاجة إلى نضال أممي ضد أي عدوان إمبريالي، وحماية حق تقرير المصير لأوكرانيا، إلى جانب الحقوق المتساوية للأقليات، بما في ذلك الحق في الحكم الذاتي والانفصال. ان القوى الرأسمالية القومية والقوى الإمبريالية لن تضع حجر الأساس الضروري لحماية سلام سكان المنطقة. إنهم يُعمقون المشاكل الأساسية. إن النضال المستقل "من الأسفل" بقيادة الطبقة العاملة، كجزء من النضال من أجل التغيير الاشتراكي، ضروري لتأمين مصالح الجماهير في أوكرانيا والمنطقة، حتى لا يتم استخدام تطلعاتهم في الأمن الشخصي والحرية من أجل أغراض عكسية من الأساس.

مسار التطبيع وزعزعة استقرار منظومة الاحتلال

في ظل التدخل الصيني في المنطقة، تسعى إدارة بايدن إلى التوصل لاتفاق محدود مع إيران، كما ذكر، وفي المقابل، تولي الإدارة أهمية خاصة لمواصلة مساعي التطبيع بين النظام الملكي السعودي وإسرائيل، رغم التوترات، بين البيت الأبيض وحكومة نتنياهو واليمين المتطرف. ومع ذلك، فإن العقبة المحورية في عملية التطبيع العربي الإسرائيلي بين الأنظمة في المنطقة هي القضية الفلسطينية، التي لا تزال عاملاً حاسما في التحول الراديكالي في موقف الجماهير في المنطقة.

خوفا من فقدان السيطرة ومن أية تحركات قد تؤدي الى عواقب قد تزعزع الاستقرار على المدى البعيد، عمل رؤساء المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، بالتنسيق مع نتنياهو ووزير الدفاع جالانت، لشق "طريق التفافي" خلف اليمين المتطرف في الحكومة، من أجل التنسيق المباشر سياسيا مع الإمبريالية الأمريكية والأنظمة العربية، واستبعاد كتلة أحزاب اليمين المتطرف بقيادة بن غفير وسموتريتش، عن محور صنع القرارات "الأمنية" في الحكومة.

وهكذا، فإن قرار اغتيال قادة تنظيم الجهاد الإسلامي جاء دون اجتماع لمجلس الوزراء السياسي — الأمني​​ المصغر، ودون تدخل وزراء اليمين المتطرف. لم يكن الغرض من الهجوم على المستوى الجيوسياسي هو فقط إضعاف ذلك التنظيم عسكريا كجزء من استراتيجية "إدارة الصراع"، وعمليا لتكريس الاستقرار في منظومة الاحتلال والحصار، ولكن أيضًا "لاستعراض القوة العسكرية "في سياق توازن القوى الإقليمي.

وكذلك الأمر بالنسبة لتأجيل إخلاء الخان الأحمر، بدعم من المحكمة العليا، أو إلغاء انتهاك أوضاع الأسرى الفلسطينيين، كلاهما يتعارضان مع أجندة بن جبير وسموتريتش. إلا أن إلغاء "قانون الانفصال" في شمال الضفة الغربية نهاية شهر آذار، وإضفاء الشرعية على مستوطنة "حومش"، وعلى "البؤر" الاستيطانية، وتسريع البناء في المستوطنات بشكل عام، كل هذه هي إنجازات تنسب لليمين الاستيطاني، بما في ذلك من الليكود، الذي يعمل بشكل مكثف لتعزيز الإجراءات لتحصين وتعميق الاحتلال.

ومع ذلك، فلا تملك آلة الحرب التي تخدم الرأسمالية الإسرائيلية، في ظل الحكومة الحالية وبشكل عام، أية إمكانية للسيطرة المُحكمة على الأحداث في أي سيناريو. ينعكس زعزعة استقرار منظومة الاحتلال والحصار في نمط جولات التصعيد العسكري المتكررة. رغم أنه في القرن الحادي والعشرين لم تكن هناك حكومة إسرائيلية واحدة لم تشن هجومًا عسكريًا خاصًا ضد الفلسطينيين، إلا أن وتيرة إراقة الدماء في قطاع غزة قد ازدادت في السنوات الأخيرة، وسبقت جولة أيار من هذا العام تلك التي اندلعت في أب من عام 2022، أيار 2021 وكذلك في كانون أول من عام 2019. جعل الهجوم المستمر الذي شنته الحكومة السابقة في الضفة الغربية عام 2022 أكثر الأعوام دموية بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ عام 2004، ومع زيادة في عدد الضحايا الإسرائيليين.

على مدار السنوات القليلة الماضية، ومع بدء حركات الاحتجاج الجماهيرية في المنطقة في الخلفية، أدت ممارسات قوات الاحتلال، إلى جانب تأثير فيروس كورونا وأزمة التضخم على الظروف الحياتية، إلى نشوء تطور متشابك ومتناقض. من جهة، التوجّات في تبني خيار المقاومة الشعبية بين الشبان والشابات الفلسطينيين — التي اندمجت في ذروتها حول "إضراب الكرامة"، الإضراب الفلسطيني العام في 21 أيار، وتم التعبير عنها أيضًا في نداء الشباب الفلسطيني، ردًا على المداهمات العسكرية في الضفة الغربية، للبحث عن مسار للممارسات الاحتجاجية جنبا إلى جنب مع حرب عصابات ضد آلة حرب الاحتلال. من ناحية أخرى، وتحت تأثير الازمة العالمية والإقليمية المتمثلة بحالة الضعف والافتقار إلى القوى السياسية الشعبية التي ستوفر طريقًا إلى الأمام للنضال وللخروج من الأزمة في المنظومة، تتفشى مشاعر اليأس أيضًا ويتزايد نطاق الأعمال الانتقامية والتي تؤدي الى نتائج عكسية وحتى الأساليب الإرهابية المدمرة في الحرب ضد إرهاب منظومة الاحتلال.


إلا أن الفترة الأخيرة استمرت أيضًا في اتسامها بعناصر المقاومة الشعبية، بما في ذلك المظاهرات المتكررة و الإضرابات الاحتجاجية في الضفة الغربية والقدس الشرقية ضد مداهمات واعتداءات قوات الاحتلال. إن إصرار العمال والعاملات على النضال في ظل السلطة الفلسطينية من أجل انتزاع تحسين طفيف في أجر الفقر، بقيادة المعلمين والمعلمات، يشير إلى الشعور بالحاجة الملحة للنضال على خلفية تدهور الأوضاع وقد ينعكس ذلك أيضًا في التطورات في مسار النضال ضد الاحتلال.

التباطؤ الاقتصادي

إن التضخم الذي تفاقم بعد أزمة الكورونا والحرب في أوكرانيا بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات لتحسين الربحية — "معضلة أسعار-أرباح" — بينما متوسط الأجر الحقيقي في العالم يتقهقر. الارتفاع الشديد في أسعار الفائدة من قبل العديد من البنوك المركزية يعزز بشكل فعال عنصر أزمة الائتمان والركود كحل للمشكلة. وقد أدى هذا بالفعل إلى أكبر أزمة انهيار للبنوك منذ 2007–2008، مع انهيار 3 بنوك في الولايات المتحدة، وبنك كريديت سويس في سويسرا. إن معدل النمو العالمي الحالي، إذا ما اختزلنا منه عنصري التضخم والنمو السكاني، يشير إلى ركود فعلي.

في الاقتصاد الإسرائيلي، تتعمق أزمة تكاليف المعيشة في ظل مزيج من الضغوط التضخمية — بما في ذلك الميل إلى خفض قيمة الشيكل، الذي يبدو أنه تأثر جزئيا بهروب رأس المال إلى الخارج كجزء من انعكاسات الأزمة السياسية — وزيادة أسعار الفائدة من قبل بنك إسرائيل (من 0.1 في المائة في 22 شباط إلى 4.75 في المائة في 23 أيار). أغلقت البنوك الأربعة الكبرى عام 2022 بأرباح صافية قياسية وفي الوقت نفسه تضخم الدين للأسر بنسبة 10.1٪ العام الماضي واستمرت أسعار الفائدة على السحب الزائد في الارتفاع وقفزت أقساط الرهن العقاري الشهرية بمعدل 1٬150 شيكل خلال عام.

وحافظ مستوى التضخم على معدل سنوي ثابت بمعدل حوالي 5 في المائة. وارتفع متوسط الأجور بنسبة 5.1 في المئة بالقيمة الاسمية خلال العام الماضي، مما يعني أنه ظل متجمدا. يشكل اتفاق الإطار لأجور القطاع العام، الذي توصل إليه رئيس الهستدروت بار دافيد في أوائل مارس، بالموافقة على تآكل أجور 400٬000 عامل — مستسلما لضغوط وزارة المالية، تحت عنوان يثير الاشمئزاز وهو "إظهار المسؤولية" في مواجهة التضخم. ومع تسبب أزمة التضخم في تآكل الدخل وتعميق الفجوات بين الناس، ومع استمرار أصحاب رؤوس المال في رفع الأسعار، تصبح المعركة على رفع الأجور أكثر إلحاحا. في مواجهة سياسة التعاون الطبقي الفاشلة التي يقودها الرئيس بار دافيد ويجب أن نطالب باتفاقية أفقية لزيادة الأجور بما يتناسب مع رفع الأسعار في السوق، وآلية دائمة لرفع الأجور مع جدول غلاء المعيشة سنويا، وقيادة نضالات حقيقية من أجل رفع الأجر.

ضبط الميزانية و"أموال الائتلاف"

واصلت ميزانية الدولة و"قانون الترتيبات" للفترة 2023–2024، من جهة، السياسة المالية المقيدة لحكومة بينيت-لبيد. كما عمل وزير المالية والمستوطنات سموتريتش، المحسوب على منتدى كوهيليت، على التخفيف من وعود نتنياهو ودرعي الانتخابية ب"تجميد الأسعار"، وإصلاح التعليم المجاني للأعمار من 0–3 سنوات، وبطاقات الطعام للفقراء. لكن الأحزاب في الائتلاف الذي لا يحظى بشعبية لا تزال بحاجة إلى أموال مخصصة لتعزيز"أنماط الزبائنية"، وفوائد اخرى تخصص للحفاظ على قاعدة الدعم.

على الرغم من أن قيادة الهستدروت قد تخلت مسبقا عن أي نضال ضد ميزانية الدولة، إلا أن القضية انفجرت على جدول أعمال حركة الاحتجاج ضد "الانقلاب القضائي" بتبني شعارات ضد "حكومة النهب" — وإن كان ذلك بشكل ضيق وفي ظل الحملة الليبرالية اليمينية لاتهام المجتمع المتدين المتزمت واتخاذه ككبش فداء.

بعد أن طرح سموتريتش ونتنياهو هدف أقل نسبة عجز حتى الآن، غَيَّر سموتريتش مساره في أيار وأعلن أن "وفد صندوق النقد الدولي عبر عن رأيه في اجتماع معي بأن عجزنا منخفض جدا، وأن الاستثمار في البنية التحتية ومولدات النمو يجب أن يكون أكبر"، مشيرا إلى أن الحكومة قد تتحول إلى سياسة "مضادة للتقلبات الدورية"، حتى بعد موافقة الكنيست على الميزانية.


سموتريتش، على تقليص صلاحيات وزارة حماية البيئة وإضعاف مشروع قانون المناخ. يحدد مشروع القانون هدفا ضعيفا لخفض انبعاثات الكربون بنسبة 30٪ بحلول عام 2030 (على غرار هدف الحكومة السابقة ومقارنته بعام 2015 بدلا من عام 1990 كما هو متبع)، والذي طالبت وزارة حماية البيئة بزيادته إلى 50٪ (وفقا للوعد في الاتفاقيات الائتلافية).

وفي الوقت نفسه، يمثل الاحتباس الحراري غير المسبوق في المحيطات بداية ظاهرة "النينيو" الدورية، مما يؤدي إلى تفاقم آثار تغير المناخ. ومن المتوقع حدوث موجتين من الحر الشديد في الصيف، مما قد يؤدي إلى اندلاع الحرائق وأيضا حصد الأرواح. هدف تقليل الانبعاثات المنخفض وإلغاء القيود البيئية كان القصد منه تمكين الحكومة والرأسماليين من الاستمرار في"العمل كالمعتاد".

أرباح البنوك والشعبوية اليمينية للحكومة


في نفس الوقت الذي اضطر فيه سموتريتش إلى الاعتراف بأن الوضع الاقتصادي الموضوعي يقوض أساس الضبط المالي المتعصب، تحول أيضا إلى عنصر من الشعبوية اليمينية، مهددا البنوك بفرض الضرائب على فائض الأرباح". ويروج مشروع قانون صادر عن "يش عتيد" وحزب العمل والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة لنفس الفكرة، والتي بموجبها سيتم فرض ضريبة على 75٪ من "فائض الأرباح" في دخل فوائد البنوك. بطبيعة الحال، تزدري البنوك الاقتراح. ولكن ليس من قبيل المصادفة أن سموتريتش يمكن أن يلعب أيضا خطابيا، وبشكل أكثر غموضا، بفكرة مماثلة.

فيما يتعلق بدور العاملات والعمال في الاقتصاد، فإن المطلب الرئيسي الآن في مواجهة الأرباح الفلكية للبنوك في خضم أزمة غلاء المعيشة — بعد الأرباح التي تم اقتناصها خلال فيروس كورونا، وبينما تعتبر الفائدة على القروض والرهن العقاري المحرك للأرباح الفلكية -هو مصادرة البنوك الكبرى من الرأسماليين، ونقلها إلى الملكية العامة، والإشراف عليها وتشغيلها على أساس ديمقراطي لصالح الجمهور.

ردا على أزمة غلاء المعيشة وأزمة الشرعية الحادة في الحكومة، تعززت عناصر الشعبوية اليمينية في الحكومة في المجال الاقتصادي. وهكذا، بدأ وزير الاقتصاد والصناعة بركات مواجهة حظيت بتغطية إعلامية جيدة مع 15 شركة عملاقة تعمل على استيراد السلع الغذائية والاستهلاكية، والتي تم تصعيدها إلى مطالبة الحكومة لهم بالكشف عن البيانات السرية حول التكاليف والربحية، وفقا لقانون مراقبة أسعار السلع والخدمات.

ومن المرجح ألا يكون بركات والحكومة الضعيفة الحالية على استعداد لتصعيد الصراع إلى فرض ضوابط واسعة على الأسعار. ومع ذلك، فإن المواجهة ذاتها هي إحدى سمات العصر الحالي، حيث يتم دفع الدولة للتدخل أكثر في "الأسواق"، فضلا عن محاولة العناصر الشعبوية اليمينية، المؤيدة للرأسمالية في الأساس، للرد على الأزمة الرأسمالية وحصد الدعم بينما تتنكر كوكلاء للجماهير في مواجهة الطبقة الحاكمة.

في سياق الأزمة السياسية في اسرائيل، حفزت تعبئة أصحاب رأس المال ضد الحكومة وحتى دعم الحركة الجماهيرية ضدها هذا العنصر، وأصبحت جهات مختلفة في الحكومة تتحدث ضد "احتجاج كبار رجال الأعمال". تتمثل المهمة المركزية لحركة الاحتجاج الإسرائيلية في فضح تضارب المصالح الأساسي بين الرأسماليين والجنرالات والعمال والفقراء والمضطهدين من جميع الفئات.

مركزية فكرة الإضراب

كتعبير عن التطور المتكامل وغير المتكافئ للوعي السياسي الجماهيري في خضم النضال، برزت مركزية فكرة سلاح الإضراب، التي تلمح إلى القوة الكبيرة الكامنة في الطبقة العاملة في المجتمع. برز الإضراب السياسي العام الذي شكل سابقة في نهاية آذار في تناقض تام مع حجج البيروقراطية الموالية للرأسمالية في الهستدروت. على الرغم من أن الإضراب كان محدودا في فعاليته — لأنه بدأ دون تحضير ودون نقاش في صفوف الهستدروت ومؤسساتها، وانتهى دون قرار ديمقراطي ودون مطالب إضافية ومخطط عمل لمواصلة النضال — إلا أنه كان حدثا هاما. لقد نُحّت جانبا جميع المراوغات القانونية المستخدمة في العادة لتبرير الإملاءات القانونية غير الديمقراطية التي تحد من الإضرابات.

كما كان الإضراب حدثا غير عاديا بسبب الدعم الذي تلقاه من معظم منظمات أصحاب العمل والبنوك والشركات الكبرى، التي كانت بحاجة إلى "أسلحة غير تقليدية" لتأديب الحكومة. إن الاستغلال الانتهازي للإضراب من قبل الرأسماليين نابع من موقف يائس من جهة، وإيمانهم باستعداد قيادة الهستدروت لإخضاع أجندة الإضراب لأجندتهم في إطار جبهة "وطنية" — معتمدة على الرئيس لتنحية المطالب التي يمكن أن تضر مباشرة بمصالح رأس المال، بما يخص تكاليف المعيشة وأمور أخرى عامة. ولكن حتى فيما يتعلق بمسألة النظام القضائي، فإن الموقف المستقل المطلوب يجب أن يتسق مع وجهة نظر الطبقة العاملة.

المطالبة بدمقرطة النظام القضائي


وعلى الرغم من أن الحكومة لا تعتمد على دعم الأغلبية من عامة الناس، إلا أنها لا تزال تتمتع بقاعدة دعم كبيرة، تعمل على الحفاظ عليها حتى من خلال شن الهجمات الشعبوية اليمينية على النظام القضائي، والتي تسعى إلى تكريسها بتأجيج المشاعر الجماعية ببث الشك وانخفاض الثقة في المحاكم والمؤسسة بشكل عام. تكمن جذور عدم الثقة في الأزمات الجماعية الفعلية في المجتمع الرأسمالي، وفي حقيقة أن القانون وعدالة الدولة الرأسمالية، في الصورة العامة و بالمجمل، لم يكن القصد منه منح "العدالة" للجماهير.

وهكذا، عملت محكمة العدل العليا أيضا بمرونة أكبر كقناة لتلقي الالتماسات ضد الدولة الرأسمالية، لكنها قدمت ختما مطاطيا مرارا وتكرارا لإضفاء الشرعية على جوانب التمييز والاضطهاد القومي وإلحاق الضرر بالعمال والإضرار بالحيز الديمقراطي.

بالتأكيد يوجد حاجة لإصلاح النظام القضائي، ولكن إصلاح حقيقي، وفقا لمصالح الجماهير تجاه المؤسسة، وحماية الفرد من الظلم الاجتماعي وتعسف الحكومة. في النظام القضائي البرجوازي، تبرز أهمية المطالب ليس فقط "لتنوع القضاة" — كما يتشدقون باليمين الشعبوي — ولكن للآليات الديمقراطية الحقيقية في ضوء الواقع اليومي المتمثل في إجهاض العدالة للعمال والنساء والفلسطينيين والمجموعات المضطهدة بشكل عام.

في مواجهة دعاية اليمين الشعبوي، يجب أن نكافح من أجل وقف أي تحرك نحو نظام أكثر استبدادا، والمطالبة بالإصلاح الديمقراطي للنظام القضائي، بما في ذلك الاستثمار في تعزيز القوى العاملة وتطوير البنية التحتية، وآليات الرقابة الديمقراطية واختيار القضاة. ويشمل ذلك توفير التدريب المهني المناسب والإشراف الديمقراطي على الشرطة ومكتب المدعي العام والمحاكم ومصلحة السجون من أجل عملية أكثر عدلا وتخضع للمساءلة، كجزء من مكافحة التحيز الطبقي ضد العمال والفقراء، والآراء المسبقة الذكورية و العنصرية والعدائية ضد المثليين.

بالإضافة إلى ذلك، يجب استبدال لجنة التعيينات القضائية غير الديمقراطية من خلال مسار ديمقراطي جوهري يخضع للانتخاب والإقالة، مثل هيئة منتخبة متساوية من ناحية الجندر وتمثل الأقليات، تتألف من مندوبين منتخبين في الانتخابات العامة من كل سلطة محلية، ونقابات عمالية، ومنظمات حقوق مجتمعية. ولكن لن يكون هذا الإصلاح كافيا للقضاء على عدم المساواة المادية والتحيز والتمييز الاجتماعي. لذلك، فإن النضال المستمر من أجل نظام قانوني ديمقراطي ومن أجل المساواة هو أيضا جزء من النضال من أجل التغيير الاشتراكي، من أجل تمهيد الطريق لمجتمع ديمقراطي تسوده المساواة الحقيقية.

المفاوضات في منزل الرئيس

واجهت المفاوضات في منزل الرئيس بين طاقم "يش عتيد" و"المعسكر الوطني" وبين رجالات نتنياهو حجر عثرة كبير في شكل لجنة التعيينات القضائية، التي تعتبر السيطرة عليها الهدف الأول لجناح ليفين في الائتلاف. بعد الاقتراع السري (14 حزيران) انتخبت كارين الهرار المرشحة عن المعارضة في الكنيست، من (يش عتيد)، بدعم من عدد من أعضاء الكنيست في الائتلاف، وبينما لم يتم انتخاب ممثلين عن الائتلاف، الأمر الذي سعى إليه نتنياهو، أعلن لبيد وغانتس أنه سيتم تعليق المفاوضات في منزل الرئيس حتى انعقاد اللجنة.

ويبدو أن نتنياهو حاول تجنب سيناريو يتم فيه انتخاب ممثلين اثنين من الائتلاف في اللجنة، الأمر الذي كان سيقابل بانفجار المحادثات وتجدد التصعيد في الحركة الاحتجاجية. من ناحية أخرى، يخاطر نتنياهو بمواجهة تحد متزايد من قبل جناح ليفين، إلى حد تفكيك الائتلاف. في الوقت الحالي يعدهم نتانياهو، كما ذكرنا، بأنه دون التوصل إلى صفقة في مقر إقامة الرئيس، سيتم فرض التشريع من جانب واحد بحلول نهاية شهر تموز.


في ظل ظروف الاستقطاب السياسي السائد حاليا، فيبدو ان التوصل لعقد صفقة واسعة غير مرجحا في هذه المرحلة. إذا استؤنفت المفاوضات بالفعل وأُعلن لاحقًا عن الاستعداد للتوصل لاتفاق ما بين "يمين الوسط" وممثلي نتنياهو، فلن يكون ذلك ممكنًا إلا إذا ضمنت الحكومة مسبقا تأمين عناصر من الخطة الأصلية تسهم في تركيز السلطة للفئة الحاكمة. أي صفقة محتملة مع الحكومة الحالية ستقابل حتماً بدرجة كبيرة من عدم الثقة، وستواصل قطاعات من حركة الاحتجاج على الأقل محاربة الحكومة.

الأزمة الاجتماعية وتصاعد العنف في المجتمع


في غضون ذلك، يروج وزير الأمن القومي بن غفير لبرامج "القانون والنظام" المعاد تدويرها للتشديد في القمع الشرطي والعسكري، والتي كشفها حتى بعض مؤيدي الحكومة على أنها معطوبة في ظل تصعيد دموي في الصراع القومي، وفي ظل أزمة اجتماعية متفاقمة تنعكس في زيادة كبيرة في نطاق أحداث العنف في المجتمع — بما في ذلك موجة جديدة من التوجه إلى ملاجئ النساء بسبب عنف الرجال، عنف المنظمات الإجرامية والعنف المسلح على وجه الخصوص.

وفي ظل الحكومة الحالية، قتلت 17 امرأة في النصف الأول من العام حتى الآن، أي ضعف العدد في الفترات المماثلة في السنوات الأخيرة. كما قاد بن غفير طوفانا آخر من تراخيص الأسلحة. وترتبط هذه الخطوة، من بين أمور أخرى، إباحة سفك دماء العرب الفلسطينيين، الذين يشكلون الغالبية العظمى من الذين قتلوا في إسرائيل منذ بداية العام. وعبر مفوض الشرطة شبتاي عن الموقف العنصري المتجذر في الشرطة والمؤسسة عندما قال في محادثات مغلقة إن "هذه هي عقلية العرب — إنهم يقتلون بعضهم البعض".


تعمل جميع القوى السياسية في الحكومة على إخفاء الأسباب الجذرية للأزمات الاجتماعية بشكل عام، بما في ذلك عدم المساواة الأساسية، والتمييز المؤسسي، والعنف المنظم، بما في ذلك وحشية الشرطة. في السنوات الأخيرة، وخاصة منذ جائحة كورونا، حدثت زيادة كبيرة في عدد جرائم القتل في المجتمع العربي الفلسطيني: بين عامي 2018 و2022، كان 70٪ من ضحايا القتل من العرب الفلسطينيين. خلال نفس السنوات، كانت هناك أيضا زيادة في التقارير عن حالات العنف المنزلي والعنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف ضد المثليين، وهكذا، فإن الحكومة الجديدة تقود في هجماتها إلى تفاقم الوضع القائم، إذ يكون أولئك الذين يعانون من الانعكاس الفظيع لجميع الأزمات في المجتمع من بين أكثر طبقات المجتمع اضطهادا.


يشجع بن غفير على استخدام الاعتقال الإداري ضد المدنيين في مكافحة العصابات الإجرامية، كجزء من تعزيز عسكرة ممارسات الدولة بين المواطنين العرب الفلسطينيين. وتحقيقا لهذه الغاية، يتم أيضا توجيه برنامج "الحرس الوطني" لبن غفير. عندما يتعلق الأمر بأزمة العنف المسلح في المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، يجب التأكيد على أن الاضطهاد القومي من قبل الدولة له وزن أساسي في ظهور هذه الظاهرة، بما في ذلك زراعة العناصر الإجرامية من المتعاونين مع الشاباك، والتمييز في التعامل مع الشكاوى، والتجذير التاريخي للفقر والبطالة، وخنق الميزانية والتخطيط، وسياسة سحق المجتمع. والآن تتحول نفس الدولة الرأسمالية التمييزية إلى محاولة إظهار السيطرة على الوضع، على ما يبدو مع زيادة ضغط الشرطة على المنظمات الإجرامية. حتى لو وجهت الشرطة بعض الضربات إلى عناصر المافيا، فإنها موجهة في نفس الوقت، كجزء من سياسة الحكومة، للانخراط في قمع السكان واحتجاجاتهم.

خطر اليمين المتطرف، "الكتلة ضد الاحتلال" والبديل الاشتراكي

إن نعت الحكومة الحالية على أنها "فاشية" من قبل أجزاء من اليسار يعبر، من ناحية، عن الشعور بالالحاح، وهو ضروري في النضال، ولكن من جهة أخرى أيضًا يعبر عن بلبلة من ناحية المصطلح والسياق التاريخي، الأمر الذي لا يساعد في رأينا على فهم طبيعة التحديات في هذه المرحلة ويميل الى الارتباط بمقترحات سياسية غير صحيحة.

تنسجم حكومة نتنياهو واليمين المتطرف مع التوجه العالمي، في ظل أزمة بنيوية في النظام الرأسمالي، إذ تميل الأنظمة التي تميزت بشكل من اشكال الديمقراطية البرجوازية الى التحول في اتجاه بونابرتي استبدادي. في إسرائيل، تأتي محاولة "الانقلاب القضائي" على أساس هش بشكل سافر، في أيدي حكومة ضعيفة، مع تراجع نفوذ نتنياهو — وهذا نقيض لنموذج "زعيم قوي" و "حكومة قوية". ومع ذلك، فإن الحكومة تقدم بالتأكيد دعمًا للقوى الكهانية والفاشية الجديدة، التي تنشر الهلع في الشوارع، وتعمل كذراع غير رسمي لتنفيذ سياسة القمع القومي تجاه الفلسطينيين. يتطلب خطر اليمين المتطرف استعدادات خاصة على مستوى النضال، بما في ذلك بتبني خيار المظاهرات وإنشاء مجموعات للدفاع عن النفس. ومع ذلك، فإن محاربة هذا الخطر، والعوامل الشعبوية اليمينية العدوانية، تؤكد أيضًا على أهمية إنشاء بديل سياسي.

قدمت "حكومة التغيير" مثالاً على الخطر الكامن في فكرة أن الرد على التهديدات التي يشكلها اليمين المتطرف هو التحالف مع أحزاب من المؤسسة الموالية للرأسمالية من "الوسط" أو "يسار-وسط". نفس حكومة الاحتلال الرأسمالية التي تسعى لتكريس الوضع القائم، والتي ركبت على وهم "فقط لا لبيبي" وضمت عناصر استيطانية يمينية متشددة، والتي صبّت المزيد من الزيت على أزمات الرأسمالية والاحتلال الإسرائيليين، وكل ما كان مطلوب منها هو توجيه دعوة رسمية لنتنياهو واليمين المتطرف ليحل محلها.

إن حقيقة نشوء "الكتلة ضد الاحتلال" في حركة الاحتجاج الإسرائيلية لهو أمر إيجابي. وتحت تأثير الكتلة، تطورت أيضًا منظمة شبابية مناهضة للاحتلال تشارك في المظاهرات والتي وسعت مؤخرًا أجندتها وبادرت لمظاهرة ضد حدث معادي للعابرين/ات جنسيا. نمت الكتلة على طول الحركة الاحتجاجية، لكنها لا تزال صغيرة نسبيًا وتستند إلى مجموعة من المنظمات المناهضة للاحتلال، من الليبراليين ذوي الميول اليسارية مثل "سلام الآن" إلى القوى اليسارية مثل الجبهة — والحزب الشيوعي وتضم ايضا قسم آخر غير منظم.

حركة نضال اشتراكي شريكة في نشر الرسالة ضد الاحتلال، بما في ذلك العديد من اللافتات والمنشورات التي قمنا بتوزيعها، وفي مناسبات مختلفة سرنا أيضًا مع "الكتلة ضد الاحتلال". إن المهمة المركزية لتعزيز النضال ضد الاحتلال هي ضرورة بناء بديل سياسي مناهض لحكومات الاحتلال الرأسمالية. لكي نستطيع الخروج من الدائرة الدموية للصراع القومي، من الضروري الذهاب إلى أبعد من الرسائل الديمقراطية المهمة ضد مسألة الاحتلال الملتهبة — والتي لا يمكن حلها "بمعزل" عن المشاكل الأخرى في النظام الرأسمالي الإسرائيلي. لذلك، لن يكون من المنطقي أيضًا بناء جبهة فعالة ضد حكم اليمين الرأسمالي مع عناصر تدعم الرأسمالية وتعارض الاحتلال.

إن المطلوب هو انتهاج سياسة تضع على جدول الأعمال بديلاً جوهريًا يستند الى المصالح الواسعة للعمال والعاملات والمجتمعات التي تعاني من التمييز، من خلال اقتراح يطرح استجابة منهجية لجميع الأزمات في المجتمع. يجب أن يكون هذا البديل منفصلا تمامًا عن المؤسسة، عن "النخب القديمة"، وعن أي تحالف أو تعاون مع حكومات الاحتلال الرأسمالية.

تجر الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين البشرية نحو تعميق عدم المساواة، وتقليص المساحات الديمقراطية، وزيادة خطر الحروب، وحتى الأخطار الوجودية في شكل أزمة المناخ. لكن هذا أيضًا عصر تؤدي فيه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية التي لم يتم حلها إلى تعميق التحول الراديكالي، وزيادة يقظة الحركات الجماهيرية والنضال الطبقي، ضد الاضطهاد وتحسين ظروف العمل والمعيشة.

تؤدي الأزمة العميقة التي يعيشها النظام الرأسمالي العالمي من جهة، الى تعزيز التوجهات الراديكالية وتأجيج النضال الطبقي والحركات الجماهيرية، وهناك تعاطف نسبي مع مصطلح "الاشتراكية". ومع ذلك، فإن الوعي السياسي الجماهيري في هذه المرحلة يتسم بمعارضة "النظام" واستبداد رأس المال بشكل خاص، وفي كثير من الأحيان معارضة أشكال مختلفة من الاضطهاد في المجتمع، ولكن في ظل ضعف اليسار المنظم وغياب قيادة سياسية مناسبة، يكون بمقدورها استخلاص العبر، فلا نرى للآن معارضة واضحة للرأسمالية والإمبريالية ودعمًا صريحًا للديمقراطية الاشتراكية.

في ظل هذه الظروف، يجب على اليسار الاشتراكي العمل سياسيًا ضمن الحركات الواسعة الآخذة في التشكل والمساهمة في صقل الاستنتاجات فيما يتعلق بالاتجاه الضروري للنضال والتنظيم. إن "النهج الانتقالي" بالنسبة لنا لا يعني التعتيم على المواقف وتكييفها مع القاسم المشترك مع الحركات المتنامية، بل الالتزام بقول الحقيقة بشكل مباشر، بطريقة تتماشى مع المزاج العام والمطالب في كل صراع، وتربطها بخطة انتقال سياسي، والتي تتحدى بوضوح النظام الرأسمالي وتعزز التغيير الاشتراكي.

إن أكثر المهمات التنظيمية إلحاحا في تقديرنا هي بناء حركة ثورية على المستوى المحلي والعالمي، وعليه نحن ندعو، أولاً وقبل كل شيء، كل من يتفق معنا، للعمل سوية، للانضمام إلينا من أجل بناء حركة نضال اشتراكي كجزء من حركة ال-ISA الدولية. جنبا الى جنب، نعي أيضا أن اليسار الماركسي لا يستطيع وحده ملء الفراغ السياسي في هذه المرحلة. إلى جانب بناء أواصر التعاون والتحالفات لصالح تعزيز النضالات على أسس مبدئية ودون تمييع الرسائل، من الضروري استغلال الفرص على خلفية الاضطرابات التي يعيشها المجتمع من أجل تعزيز بناء منظمات نضالية واسعة وجماهيرية، وحتى تأسيس حزب عريض، تكون مهمته النضال الطبقي العابر للمجتمعات، ضد سلطة رأس المال والاحتلال، ومن اجل التغيير الاشتراكي.

كنت قد تكون مهتمة ايضا...
انضمّوا إلينا!
نحن بحاجة ماسّة لأن نناضل في سبيل التغيير، في وجه حكومة عنصرية، في وجه الاحتلال والمنظومة الرأسمالية المستمرّة في انتهاج سياستها الأوليچاركية (حكم الأقلية) الفاسدة، اللامساواة، التمييز، شنّ الحروبات وتدمير ما حولها. نضال اشتراكي هي حركةٌ مكافِحة، حركة الأفكار النَّشِطة، ذات سِجِلٍّ حافلٍ في المشارَكة ولها شُركاء من جميع أنحاء العالم، تطرح في أجندتها بديلًا حقيقيًا للتغيير الإشتراكيّ. هيّا انضمّوا إلينا!

حركة نضال اشتراكي
حركة نضال اشتراكي
ص.ب 125, تل أبيب–يافا 6100101
[email protected]
054.548.13.78 | 054.818.44.61
نضال اشتراكي هي حركة اشتراكية تناضل من أجل مجتمع اشتراكي وديمقراطي يقوم على العدالة الاجتماعية والسلام والمساواة.
هذه الحركة شريكة في البديل الاشتراكي الأممي (ISA)، وهي منظمة إشتراكية دولية توحد حركات وأحزاب إشتراكية في عشرات البلدان في جميع أنحاء العالم.